قصة طفلة رضيعة
في إحدى الصحف قرأت خبرا مؤسفا للغاية
الخبر يحكي قصة طفلة رضيعة في يومها الثاني، قد ألقيت في حاوية للنفايات، وفي لحظة سريعة مرت بمخيلتي عدة صور لتلك الطفلة
وهي بعد لم تخلق ولم تكن نطفة
علاقة محرمة بين رجل وامرأة، وربما فتى وفتاة، في ظل التسيب الأخلاقي الذي يعيش فيه بعض الشباب والفتيات
ذلك الشاب وتلك الفتاة كانا في قمة الانحطاط الخلقي والضمير والدين وهما يمارسان الزنا، بل وهما يمارسان الغزل الذي مهد ويسر الزنا
دون أن يفكرا في العواقب، كأنهما لم يسمعا بجنة أو نار
دون أن يفكرا في طفلة ستعيش محرومة من حنان الأبوين، منبوذة من المجتمع، ليس لها أهل ولا قريب ولا أنيس
ثم تصورت حالة تلك الفتاة التي أجرمت في حق نفسها وفي حق أهلها وحق مجتمعها لما بذلت نفسها لذئب خبيث باع نفسه للشيطان واستخف بنظر الله إليه، ولم يبال بعقابه، تصورتها وهي تعيش حياة الندم والعذاب بعد أن فقدت أعز ما تملك.. طهارتها، بعد أن صارت تشعر بحركة الجنين في أحشائها، وهي لا تكف عن البكاء والعويل والأسف
ألا كان ذلك من قبل؟
الآن عرفت حقيقة ما كانت تلهو به، وأن الأمر كان في أوله لعب، لكن آخره أتى بالعطب، وأي عطب؟
إنه أفسدها فسادا لا يرجى صلاحه، إلا إن تداركتها رحمة الله تعالى، وأهلها وأبواها يندبان حظهما، ويعضان أيديهما، يقولان
ياليتها ماتت وكانت نسيا منسيا، ياليتنا متنا ولم نر فضيحة كهذه
كم كنا مخطئين حين تركناها تخرج لوحدها
كم أخطأنا حين كنا ندع الهاتف معها بالساعات الطوال، حين لم نكن نسأل عن أحوالها وصديقاتها
كنا غاشين لها ولأخواتها حين أتينا إلى بيتنا بالسموم الفكرية المرئية والمقروءة
كنا مخطئين حين قلنا: ابنتنا عاقلة، نحن واثقون منها، أي ثقة تلك؟!، نسينا أنها ضعيفة، وأن الذئاب الخبثاء لا يعجزهم أن يوقعوها بأدنى حيلة، ضيعنا أمانة أوكلنا الله حفظها، يا ويلنا من الله
تصورت الطفلة وقد ولدت، والأم تبرأت منها ورمت بها في صندوق النفاية خشية العار
تصورتها وقد بدأت تكبر في الملجأ وتميز من حولها، فتبحث عن أعز الناس إليها، عن أمها عن أبيها، عن العطف الصادق والحنان، تسأل
لماذا كل الأطفال لهم آباء وأمهات، وليس لي مثلهم، أين أبي؟ أين أمي؟
فلا ترى إلا الوجوم في الوجوه
تخيلتها وهي تكبر محرومة من معاني العزة والكرامة، لا تجد إخوة لها، ولا قريبا
تخيلتها وقد عرفت حقيقة شأنها، وأنها نتاج جريمة سيئة بشعة بين فردين مسلمين ثارت غرائزهما الحيوانية، فلم يكن فيهما من تقوى الله ما يمنعهم من الخطيئة، بل كانوا كالبهائم تنكح ما يقابلها، لا تعرف زواجا ولا عقدا ولا مهرا
عرفت المسكينة حقيقة الأمر فازداد عناؤها، وتثاقلت مآسيها
أين تهرب؟
هل تقتل نفسها.. كيف ستكون بقية حياتها؟
من يرعاها، من يتزوجها؟، إلى أين ستمضي؟
الحقيقة لم أدر ما أقول في شأنها
هل ستصبر على قضاء الله وتحتسب، أم أنها هي الأخرى ستنجرف إلى الخطيئة كأمها؟
إذا كانت تلك وهي الحرة الناشئة في أسرة بين أبوين لم تحذر هذا الخطر، فكيف بهذه المسكينة التي لا تدري ما الخير وما الشر؟
هذا الجيل الذي سينشأ بلا أبوين في الملاجيء، سينشأ بلا تربية ولا عطف ولا حنان، سيفقد كل معاني العزة والكرامة والخلق، ومن ثم سيحقد على المجتمع، فينتشر فيه الإجرام والفساد
ففي الغرب نسمع عن أبشع الجرائم من قتل واغتصاب وسرقة، نسمع عن الآباء الذين يضربون أبناءهم أو يقتلونهم، وربما ليسوا بأولاد لهم، بل هم أولاد زوجاتهم من الزنا، لا الأم تعطف ولا الأب المستعار يرفق، فينشأ الطفل محروما من الرحمة، ومن ثم ينقلب مجرما حاقدا، هل نريد نحن المسلمون أن نكرر ما وقع فيه الغرب؟
نحن المسلمون لدينا الغيرة والإيمان والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبعضنا يعطف على بعض، وبعضنا يرحم بعضا، وكل هذه الأمور يفتقدها الغرب، ومن أجل ذلك ينتشر فيهم الفساد والعلاقات المحرمة، وإذا كان كذلك فمن الخطأ أن نقع فيما وقعوا فيه، ومن الخطأ أن نسايرهم في أخلاقهم خاصة فيما يتعلق بعلاقات الجنسين
إن الزنا حرام شرعا وعقلا وعرفا، فما من أمة إلا وتعلم أنه حرام ولو كانت كافرة، وكل العقلاء يعرفون خطرها، حتى البهائم تعرف خطر الزنا، ففي صحيح البخاري عن عمرو بن ميمون قال
رأيت في الجاهلية قردة اجتمع عليها قردة، قد زنت، فرجموها، فرجمتها معهم
قال ابن تيمية
ومثل ذلك قد شاهده الناس في زماننا في غير القرود حتى في الطيور
غني عن القول أن نذكر بخطر الزنا على صحة البدن، فأمراض الزنا معروفة وخطيرة، أخطرها الأيدز وهو لا دواء له في علم البشر، لكن نحتاج أن نذكر بأن ذنب الزنا في المرتبة يأتي بعد الشرك والقتل، فقد جاء في الأثر
عن عبدالله بن مسعود قلت: (يارسول الله: أي الذنب أعظم؟، قال: أن تجعل لله ندا وهو خلقك، قلت: ثم أي؟، قال: أن تقتل ولدك من أجل أن يطعم معك، قلت: ثم أي؟ قال: أن تزاني حليلة جارك)
وعقوبة الزاني معلومة مقدرة في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا، قال تعالى
{ الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر، وليشهد عذابها طائفة من المؤمنين}
الزاني والزانية يجلدان مائة جلدة ويغربان عاما إن كانا بكرين، أما إن كانا محصنين فالرجم بالحجارة هو جزاؤهما، وهو أشد الحدود، لبشاعة جرمهما، حيث تركا ما أحل الله وأتيا ما حرم
هذا وإن الآثار التي تحذر من الزنا تبث في قلب المؤمن الخوف منه
كيف بذنب يزيل الإيمان؟
كيف بذنب ليس أشنع منه إلا الشرك والقتل؟
كيف بذنب يقذف بصاحبه في تنور من نار؟
يوقد من تحته لهب يحرقه ويحرق معه عشيقته؟
قال عليه الصلاة والسلام
(إذا زنى الرجل خرج منه الإيمان وكان عليه كالظلة)
وفي رواية: (إذا زنى الرجل نزع الله منه الإيمان كما يخلع الإنسان القميص من رأسه)
إذا تخيل الزاني والزانية أنهما حين يزنيان يخلعان إيمانهما كما يخلعان ثوبهما، فإن كان في قلوبهما بقية خوف من عذاب الله أقلعا وتابا من ذنبيهما، وفي الصحيح أن رسول الله رأى الزواني والزناة قال
(فانطلقنا إلى نقب مثل التنور أعلاه ضيق وأسفله واسع يتوقد تحته نارا، فإذا اقترب ارتفعوا حتى كادوا أن يخرجوا، فإذا خمدت رجعوا فيها، وفيها رجال ونساء عراة)
فإن كانت عقوبات الدنيا والآخرة من مرض وفساد في أحوال الناس وفضيحة وحد وضرب وتغريب ونار لم تردع ذلك المستهين بأمر الله والمستهينة بأمر الله، فلم يبق إلا أن نقول
أيها الشاب، هل ترضاه لأختك، أو لأمك أو لابنتك؟
فإنك إن هتكت عرض فتاة مسلمة وغررت بها، فالدين في عنقك سيأتي من يهتك عرض حريمك ولا بد، أليس هذا يوجب عليك أن ترتدع وتترك هذا الجرم الشنيع؟
فإن كانت هذه العقوبة أيضا لم تنجح معك، ولم تزجرك، ولم تمنعك من العصيان، فأنت من الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، والله يقول
{ إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة، والله يعلم وأنتم لا تعلمون}
جاء فتى شاب إلى رسول الله فقال: (يارسول الله ائذن لي بالزنا، فأقبل القوم فزجروه، وقالوا: مه مه، فقال رسول الله: أدنه، فدنا منه قريبا
فقال: أتحبه لأمك؟
قال: لا والله، جعلني الله فداؤك
قال: ولا الناس لا يحبونه لأمهاتهم
قال: أفتحبه لابنتك؟
قال: لا والله يارسول الله، جعلني الله فداؤك
قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم
قال: أتحبه لأختك؟
قال: لا والله، جعلني الله فداؤك
قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم
قال: أفتحبه لعمتك؟
قال: لا والله، جعلني الله فداؤك
قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم
قال: أفتحبه لخالتك؟
قال: لا والله، جعلني الله فداؤك
قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم
قال: فوضع يده عليه وقال: اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصن فرجه
قال: فلم يكن بعد ذلك يلتفت إلى شيء