وهذه تكملة لمكارم الاخلاق واتمنى من الجميع الاستفادة باذن الله تعالى - ندعو الله تعالى ان يحسن من اخلاق امتنا ويهدينا للصلاح
8-علو الهمة : فعلو الهمة يستلزم الجد، والإباء، ونشدان المعالي، وتطلاب الكمال، والترفع عن الدنايا،والصغائر، ومحقرات الأمور.
والهمة العالية لا تزال بصاحبها تضربه بسياط اللوم والتأنيب، وتزجره عن مواقف الذل، واكتساب الرذائل، وحرمان الفضائل حتى ترفعه من أدنى دركات الحضيض إلى أعلى مقامات المجد والسؤدد.
قال ابن القيم - رحمه الله -: " فمن علت همته، وخشعت نفسه اتصف بكل خلق جميل، ومن دنت همته، وطغت نفسه اتصف بكل خلق رذيل " .
وقال - رحمه الله -: " فالنفوس الشريفة لا ترضى من الأشياء إلابأعلاها، وأفضلها، وأحمدها عاقبة.
والنفوس الدنيئة تحوم حول الدناءات، وتقع عليها كما يقع الذباب على الأقذار; فالنفوس العليَّة لا ترضى بالظلم، ولا بالفواحش،ولا بالسرقة ، ولا بالخيانة; لأنها أكبر من ذلك وأجل.
والنفوس المهينة الحقيرةالخسيسة بالضد من ذلك " .
فإذا توفر المرء على اقتناء الفضائل، وألزم نفسه على التخلق بالمحاسن، ولم يَرْضَ من منقبة إلا بأعلاها، ولم يقف عند فضيلة إلا وطلب الزيادة عليها، واجتهد فيما يحسن سياسة نفسه عاجلاً، ويبقي لها الذكر الجميل آجلاً - لم يلبث أن يبلغ الغاية من التمام، ويرتقي إلى النهاية من الكمال، فيحوز السعادةالإنسانية، والرئاسة الحقيقية، ويبقى له حسن الثناء مؤبداً، وجميل الذكرمُخَلَّداً.
9-الصبر: فالصبر من الأسس الأخلاقية التي يقوم عليها الخلق الحسن; فالصبر يحمل على الاحتمال، وكظم الغيظ، وكف الأذى، والحلم، والأناة، والرفق،وترك الطيش والعجلة.
وقـلَّ مـن جـدَّ فـي أمر تَطَلَّبه * واستصحب الصبر إلا فاز بالظفر
10-العفة: فهي تحمل على اجتناب الرذائل والقبائح منالقول والفعل، وتحمل على الحياء وهو رأس كل خير، وتمنع من الفحشاء، والبخل، والكذب،والغيبة، والنميمة.
11-الشجاعة: فهي تحمل على عزة النفس، وإباءة الضيم،وإيثار معالي الأخلاق والشيم، وعلى البذل والندى الذي هو شجاعة النفس، وقُوَّتُهاعلى إخراج المحبوب ومفارقته.
وهي تحمل صاحبها على كظم الغيظ، والحلم; فإنه بقوة نفسه وشجاعتها يمسك عِنانها، ويكبحها بلجامها عن النزق والطيش.
12-العدل: فهو يحمل على اعتدال الأخلاق، وتوسطها بين طرفي الإفراط والتفريط; فيحمل على خلق الجود الذي هو توسط بين البخل والإسراف، وعلى خلق التواضع الذي هو توسط بين الذلة والكبر، وعلى خلق الشجاعة الذي هو توسط بين الجبن والتهور، وعلى خلق الحلم الذي هوتوسط بين الغضب، والمهانة وسقوط النفس.
13-تكلّفُ البشر والطلاقة، وتُجنّبُ العبوس والتقطيب: قال ابن حبان - رحمه الله -: " البشاشة إدام العلماء، وسجيةالحكماء; لأن البشر يطفئ نار المعاندة، ويحرق هيجان المباغضة، وفيه تحصين من الباغي، ومنجاة من الساعي " .
وقال أبو جعفر المنصور: " إن أحببت أن يكثر الثناءالجميل عليك من الناس بغير نائل - فالْقَهُمْ ببشر حسن " .
قيل للعتابي: إنك تلقى الناس كلهم بالبشر!
قال: دفع ضغينة بأيسر مؤونة، واكتساب إخوان بأيسر مبذول " .
وقال محمد بن حازم:
وما اكتسب المحامدَ حامدوها * بـمثل البشر والوجه ii الطليق
وقال آخر:
أخو البشرِ محبوب على حسن بشره * ولـن يعدمَ البغضاءَ من كان عابسا
وقال آخر:
الـبِشْرُ يـكسبُ أهْلَه * صِدْقَ المودةِ والمحبة
والتِّيْهُ يستدعي iiلصا * حـبه المذمة والمسبة
وقال ابن عقيل الحنبلي - رحمه الله -: " البشر مُؤَنِّسٌ للعقول، ومن دواعي القبول،والعبوس ضده " .
بل إن تبسم الرجل في وجه أخيه المسلم صدقةٌ يثاب عليها.
قال النبي – صلى الله عليه وسلم - : " تبسمك في وجه أخيك لك صدقة " .
وقال - عليه الصلاة والسلام - : " لا تحقرنَّ من المعروف شيئاً ولوأن تلقى أخاك بوجه طلق " .
ومما ينبغي أن يعلم في هذا الصدد أن السرور يعتمد على النَّفْس أكثر مما يعتمدعلى الظروف الخارجية.
ويخطئ من يظن أن أسبابَ السرور كلَّها في الظروف الخارجية،فيشترط; ليسرَّ مالاً، وبنين، وصحةً، وظروفاً مواتيةً ونحو ذلك من أسباب السرور.
فإذا حصلت له أنِسَ وسُرَّ، وإن لم تحصل له عبس، وقطَّب، ونغَّص على نفسه وعلى من حوله، وقال: على الدنيا العفاء.
لا، ليس الأمر كذلك; فالسرور نابع من النفْس، والكرام يجودون بالبشر، والتبسم ولو كانت أسبابه بعيدة عنهم.
ومن أحْكَمِ ما قالته العرب:
ولربما ابتسم الكريمُ من الأذى * وفـؤادُه مـنحـرِّه ii يـتأوَّه
فالابتسام للحياة يضيؤها، ويعين على احتمال مشاقها.
والمبتسمون للحياة أسعد الناس حالاً لأنفسهم ومن حولهم.
بل هم مع ذلك أقدر على العمل، وأكثر احتمالاً للمسؤولية، وأجدر بالإتيان بعظائم الأمور التي تنفعهم، وتنفع الناس; فذو النفس الباسمة المشرقة يرى الصعاب فيلذُّه التغلب عليها،ينظرها فيبتسم، وينجح فيبتسم، ويخفق فيبتسم.
وذو النفس العابسة المتجهِّمة لايرى صعاباً، فيوجدها، وإذا رآها أكبرها، واستصغر همته بجانبها، فهرب منها، وطفق يسب الدهر، ويعاتب القدر.
وإذا كان الأمر كذلك فَأَجْدِرْ بالعاقل ألا يُرى إلاهاشَّاً باشَّاً، مُتَهلِّلاً مُتَطَلِّقاً.
فإن كان ذلك سجية في المرء وطبعاً - فليحمد الله، وليتعاهدْ هذه الخصلةَ الحميدةَ من نفسه.
وإلا فليجاهد نفسه على تكلُّف البشر والطلاقة، وعلى تجنُّب العبوس والتقطيب جملة; حتى تألف ذلك نفسه،وتأنس به أنس الرضيع بثدي أمه.
وحينئذ تَرِقُّ حواشيه، وتلين عريكته، ويُؤنس في حديثه، ويرغب في مجلسه.
ومن أعظم ما يعين على اكتساب تلك الخلَّة الإقبال على الله - عز وجل - وطهارة القلب، وسلامة المقاصد، والبعد عن موطن الإثارة قدرالمستطاع.
ومن ذلك قوة الاحتمال، ومحاربة اليأس، وطرد الهم والكآبة