هذه رسالة (الورقات الكاسرة للمفاهيم الخاطئة)
تأليف أخينا محمد بن علي الحملي
أحد أبناء منطقتنا جازان ومن سكان المدينة
وحاليا هو في صامطة
وقد نشرها في بعض المنتديات فأحببت وضعها هنا
http://www.4shared.com/document/8DgduQGG/____.html
هذه رسالة (الورقات الكاسرة للمفاهيم الخاطئة)
تأليف أخينا محمد بن علي الحملي
أحد أبناء منطقتنا جازان ومن سكان المدينة
وحاليا هو في صامطة
وقد نشرها في بعض المنتديات فأحببت وضعها هنا
http://www.4shared.com/document/8DgduQGG/____.html
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أما بعد.
فإن من الفتن التي دبت في هذا الزمن جعل مسائل من العلم محنة وشعاراً يفرق بها بين أهل السنة في حين أنها من موارد الاجتهاد
وهذا راجع إما إلى عدم معرفة التأصيل العلمي القويم لمسائل الخلاف في الفرق بين مسائل الاجتهاد وغيرها
أو إلى الغلط في تحقيق مناط المسألة أجتهادية هي أم لا
ولا يعني هذا عدم رد الخطأ بل لابد منه ليحفظ دين الله جل وعلا
قال شيخ الإسلام ( ولهذا يسوغ بل يجب أن نبين الحق الذي يجب اتباعه وإن كان فيه بيان خطأ من أخطأ من العلماء والأمراء ) الفتاوى ( 19/ 123 ).
ولكن ثمَّ فرق بين رد الخطأ وبين جعله محنة وشعاراً يوالى ويعادى عليه فليست كل مسألة في العلم تجعل كذلك.
قال شيخ الإسلام ( وقد كان العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم إذا تنازعوا في الأمر اتبعوا أمر الله تعالى في قوله ( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله ذلك خير وأحسن تأويلا ) وكانوا يتناظرون في المسألة مناظرة ومشاورة ومناصحة وربما اختلف قولهم في المسألة العلمية والعملية مع بقاء الألفة والعصمة وأخوة الدين نعم من خالف
الكتاب المستبين والسنة المستفيضة أو ما أجمع عليه سلف الأمة خلافاً لا يعذر فيه فهذا يعامل بما يعامل به أهل البدع ) الفتاوى ( 24/ 172 ).
وقال في مسألة رؤية الكفار ربهم في الآخرة ( فبالجملة فليس مقصودي بهذه الرسالة الكلام المستوفي لهذه المسألة فإن العلم كثير وإنما الغرض بيان أن هذه المسألة ليست من المهمات التي ينبغي كثرة الكلام فيها وإيقاع ذلك إلى العامة و الخاصة حتى يبقى شعاراً ويوجب تفريق القلوب وتشتت الأهواء وليست هذه المسألة فيما علمت مما يوجب المهاجرة والمقاطعة فإن الذين تكلموا فيها قبلنا عامتهم أهل سنة واتباع وقد اختلف فيها من لم يتهاجروا ويتقاطعوا كما اختلف الصحابة رضي الله عنهم والناس بعدهم في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه في الدنيا وقالوا فيها كلمات غليظة كقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها من زعم أن محمداً رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية ومع هذا فما اوجب هذا النزاع تهاجراً وتقاطعاً ) الفتاوى ( 6/ 502- 504 )
وقال في الواسطية في مسألة عثمان وعلي في التقديم في الفضل ( وإن كانت هذه المسألة ليست من الأصول التي يضلل المخالف فيها عند جمهور أهل السنة لكن التي يضلل فيها مسألة الخلافة ).
وإن تحقيق مناط القواعد وتطبيقها في جزئياتها يحتاج إلى دراسة قوية لأصول الفقه عموماً ودلالات الألفاظ وأحكامها خصوصاً دراسة متقنة محررة وإذا كانت المسالة لها علاقة بأصل من أصول السنة فيحتاج الأمر إلى معرفة كلام أهل السنة وفهمه على وجهه الصحيح فهماً يوافق مقاصد الإسلام وقواعده العظام
وكذلك القول في الاستدلال بقضايا عينية لبعض السلف
قال الفاضل العلامة المحقق صالح بن عبد العزيز آل الشيخ (إذا كان هذا في الكتاب والسنة منه محكم ومنه متشابه وإن اتباع المتشابه من الكتاب والسنة نوع من أنواع الزيغ الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم (إذا رأيتم الذين يتبعون ماتشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم ) فلأن يقع التشابه في الكلام وفي الأقوال وفي الأرآء وفي الأفعال لأن يقع التشابه في أحوال الصحابة في أقوالهم وأفعالهم من باب أولى لأنه وقع التشابه في الكتاب وفي السنة ووقع التشابه أيضا في أقوال الصحابة وفي أفعالهم وقع التشابه أيضا ومن باب أولى في أقوال وأفعال التابعين وقع التشابه ومن باب أولى في أقوال وأفعال الأئمة والعلماء وقع التشابه ومن باب أولى في الذين صنفوا كتبا فإذا ليست النجاة وليست معرفة الحق في أن تجد قولا مكتوبا في كتاب أو قولا منسوبا إلى عالم أو رأيا يستدل عليه صاحبه بالكتاب أوبالسنة أو بأقوال بعض أهل العلم حتى يكون استدلاله موافقا للقواعد المحكمة التي قررها أئمة الإسلام........القواعد من مزاياها أنها محكمة لأنها أمر كلي وضعه العلماء بالاستدلال بالنصوص المحكمة دون المتشابهة أما أقوال أهل الزيغ أقوال أهل الضلال فإنهم يستدلون بأدلة لكن هذه الأدلة معارضة بمثلها معارضة بغيرها وأبلغ منه في البعد وأبلغ منه في البطلان أن يستدل بحال من الأحوال بفعل تابعي بفعل مجموعة من التابعين بقول من أقوالهم بقول وجده في كتاب بقول وجده منسوبا إلى عالم ولو استدل عليه حتى يوافق ذلك النصوص من الكتاب والسنة وما قعده أهل العلم من القواعد التي تعصم من أخذ بها من الخطأ في هذا الباب العظيم ) (شريط قواعد القواعد/ الوجه الأول)
وقال( كلام السلف له بساط حال قام عليه إذا لم يرع المتأخر بساط الحال الذي قام عليه كلام السلف فإنه لن يفهم كلام السلف ...... بعض كلمات السلف في المبتدعة بعض كلمات السلف في أهل الأهواء لها بساط حال في الزمن الأول وليس ذلك منطبقاً على بساط الحال في الزمن هذا ولذلك ترى أن بعضهم اخذ من تلك الكلمات كلمات عامة فطبقها على غير الزمان الذي كان ذلك القول فيه، ولو رأى كلام الأئمة والحفاظ والمحققين من أهل السنة لوجد أنه يخالف ذلك الكلام في التطبيق أما في التأصيل فهو واقع ) (شريط المنهجية في قرآءة كتب العلم/الشريط الثاني- الوجه الأول)
فصل
ومن هذه المسائل التي تجاوز بها البعض حدها الخلاف في بعض الأشخاص تعديلاً وتجريحاً فإن من المعلوم أن أهل السنة في هذا العصر علماء وطلاب علم حصل بينهم خلاف في أشخاص نظراً لاختلاف وجهات النظر فهل يوجب ذلك في كل مسألة أن تجعل محنة وشعاراً ويبنى عليها التفرق والهجر في حين أن تكالب المبتدعة على أهل السنة؟
قال الفاضل العلامة المحدث الفقيه محمد ناصر الدين الألباني في جوابه على سؤال (مارأيكم في هذه القواعد من لم يكفر الكافر فهو كافر ومن لم يبدع المبتدع فهم مبتدع ومن لم يكن معنا فهو ضدنا ) فأجاب (من أين جاءت هذه القواعد ومن قعدها ليس شرطا أبدا أن من كفر شخصا وأقام عليه الحجة أن يكون كل الناس معه في التكفير لأنه قد يكون هو متأولا ويرى العالم الآخر أنه لايجوز تكفيره كذلك التفسيق والتبديع فهذه من فتن العصر الحاضر ومن تسرع بعض الشباب في ادعاء العلم هذا باب واسع قد يرى عالم أمرا واجبا ويراه الآخر ليس كذلك كما اختلف العلماء من قبل ومن بعد لأن باب الاجتهاد لا يلزم الآخرين بأن يأخذوا برأيه الذي يجب عليه الأخذ برأيه إنما هو المقلد الذي لا علم عنده وهو يجب عليه أن يقلد ) (نقلا عن تلميذه الفاضل الحلبي في كتابه منهج السلف الصالح/179)
وقال الفاضل الشيخ علي بن حسن الحلبي (لا يجوز أن نجعل خلافنا (الاجتهادي المعتبر= نحن أهل السنة) في غيرنا (ممن خالف السنة من مبتدع أو سني وقع في بدعة) سببا في الخلاف بيننا (نحن أهل السنة ) (منهج السلف الصالح/337)
فإن هذه الفوضى ليجب القضاء عليها لأنها لا تعود على الدعوة بخير والواقع يشهد به والتفرق بين السلفيين يحكيه
قال الفاضل العلامة المحدث عبد المحسن العباد (وإن مما يؤسف له في هذا الزمان ماحصل من بعض أهل السنة من وحشة واختلاف مما ترتب عليه انشغال بعضهم ببعض تجريحا وتحذيرا وهجرا وكان الواجب أن تكون جهودهم جميعا موجهة إلى غيرهم من الكفار وأهل البدع المناوئين لأهل السنة وأن يكونوا فيما بينهم متآلفين متراحمين يذكر بعضهم بعضا برفق ولين) كتب ورسائل (6/292)
وقد عالج هذه الفوضى في كتابه القيم رفقاً أهل السنة بأهل السنة ولم يرد في رسالته هذه أهل البدع كما قال ( ولم أرد بأهل السنة في رسالة رفقاً أهل السنة بأهل السنة الفرق والأحزاب المنحرفة عما كان عليه أهل السنة والجماعة ) (كتب ورسائل /284)
فقال(حصل في هذا الزمان انشغال بعض من أهل السنة ببعض تجريحاً وتحذيراً وترتب على ذلك التفرق والاختلاف والتهاجر وكان اللائق بل المتعين التواد والتراحم بينهم ووقوفهم صفاً واحدا في وجه أهل البدع والأهواء المخالفين لأهل السنة والجماعة ويرجع ذلك إلى سببين: أحدهما أن من أهل السنة في هذا العصر من يكون ديدنه وشغله الشاغل تتبع الأخطاء والبحث عنها سواء كانت في المؤلفات أو الأشرطة ثم التحذير ممن حصل منه شيء من هذه الأخطاء........ ومن المجروحين من يكون نفعه عظيماً سواء عن طريق الدروس أو التأليف أو الخطب ويحذر منه لكونه لا يعرف عنه الكلام في فلان أو الجماعة الفلانية مثلاً، بل لقد وصل التجريح والتحذير إلى البقية الباقية في بعض الدول العربية ممن نفعهم عميم وجهودهم عظيمة في إظهار السنة ونشرها والدعوة إليها ولا شك أن التحذير من مثل هؤلاء فيه قطع الطريق بين طلبة العلم ومن يمكنهم الاستفادة منهم علماَ وخلقاً. والثاني أن من أهل السنة من إذا رأى أخطاء لأحد من أهل السنة كتب في الرد عليه ثم إن المردود عليه يقابل الرد برد ثم يشتغل كل منهما بقراءة ما للآخر من كتابات قديمة أو حديثة والسماع لما كان له من أشرطة كذلك لالتقاط الأخطاء وتصيد المثالب وقد يكون بعضها من قبيل سبق اللسان يتولى ذلك بنفسه أويقوم له غيره به ثم يسعى كل منهما إلى الاستكثار من المؤيدين له المدينين للآخر ثم يجتهد المؤيدون لكل واحد منهما بالإشادة بقول من يؤيده وذم غيره وإلزام من يلقاه بأن يكون له موقف ممن لا يؤيده فإن لم يفعل بدعه تبعاً لتبديع الطرف الآخر وأتبع ذلك بهجره وعمل هؤلاء المؤيدين لأحد الطرفين الذامين للطرف الآخر من أعظم الأسباب في إظهار الفتنة ونشرها على نطاق واسع ويزداد الأمر سوءاً إذا قام كل من الطرفين والمؤيدين لهما بنشر ما يذم به الآخر في شبكة المعلومات ( الإنترنت ) ثم ينشغل الشباب من أهل السنة في مختلف البلاد بل في القارات بمتابعة الاطلاع على ما ينشر بالمواقع التي تنشر لهؤلاء وهؤلاء من القيل والقال الذي لا يأتي بخير وإنما يأتي بالضرر والتفرق مماجعل هؤلاء وهؤلاء المؤيدين لكل من الطرفين يشبهون المترددين على لوحات الإعلانات للوقوف على ما يجد نشره فيها ويشبهون أيضاً على المفتونين بالأندية الرياضية الذين يشجع كل منهم فريقاً فيحصل بينهم الخصام والوحشة والتنازع نتيجة لذلك ) كتب ورسائل ( 6/ 309)
ومما يزيد الأمر سوءاً التعصب لأشخاص والموالاة والمعاداة عليهم والإلزام بالأخذ بأقوالهم وآرائهم مطلقا
قال شيخ الإسلام ( من نصب شخصاً كائناً من كان فوالى وعادى على موافقته في القول والفعل فهو من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً، إذا تفقه الرجل وتأدب بطريقة قوم من المؤمنين مثل أتباع الأئمة والمشايخ فليس له أن يجعل قدوته وأصحابه هم العيار فيوالي من وافقهم ويعادي من خالفهم فينبغي للإنسان أن يعود نفسه التفقه الباطن في قلبه والعمل به فهذا زاجر وكمائن القلوب تظهر عند المحن وليس لأحد أن يدعو إلى مقالة أو يعتقدها لكونها قول أصحابه ولا يناجز عليها بل لأجل أنها مما أمر الله به ورسوله أو أخبر الله به ورسوله لكون ذلك طاعة لله ورسوله ) الفتاوى ( 20/ 8- 9 ).
وقال ( ليس لأحد أن ينتسب إلى شيخ يوالي على متابعته ويعادي على ذلك بل عليه أن يوالى كل من كان من أهل الإيمان ومن عرف منه التقوى من جميع الشيوخ وغيرهم ولا يخص أحداً بمزيد موالاة إلا إذا أظهر له مزيد إيمانه وتقواه فيقدم من قدم الله تعالى ورسوله عليه ويفضل من فضله الله ورسوله قال تعالى ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) ) الفتاوى (11/ 512 )
وقال(فإذا كان المعلم أو الأستاذ قد أمر بهجر شخص أو بإهداره وإسقاطه وإبعاده ونحو ذلك نظر فيه فإن كان قد فعل ذنبا شرعيا عوقب بقدر ذنبه بلا زيادة وإن لم يكن أذنب ذنبا شرعيا لم يجز أن يعاقب بشئ لأجل غرض المعلم أو غيره ) (الفتاوى/28-15)
وقال مؤدبا للمعلمين (وليس للمعلمين أن يحزبوا الناس ويفعلوا مايلقي بينهم العداوة والبغضاء بل يكونوا مثل الإخوة المتعاونين على البر والتقوى كما قال تعالى (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) وليس لأحد منهم أن يأخذ على أحد عهدا بموافقته على كل مايريده وموالاة من يواليه ومعاداة من يعاديه) (الفتاوى/28-16)
فالواجب هو البحث في المسائل بالنقاش المنضبط بالعلم لمن استطاع النظر في المسألة فما كان من حق يؤخذ به بعيداً عن التقليد
ولكن هذا قد لا يتيسر لكل أحد لذلك لا ننكر على من قلد عالماً سلفياً يثق بعلمه وعندها لا نلزمه بترك قول هذا العالم بل نعذره لتقليده لهذا العالم السلفي
ولا ندخل معه في نقاشات قد لا يستوعبها وإنما تشوش عليه وتقطع طريقه لطلب العلم.
(يتبع أسفل)
فصل
ومما هو حاصل في الساحة النزاع في طرق علاج بعض الأغلاط أو في معاملة بعض المخالفين
ولابد أن يعلم أن كل مسألةٍ راجعةٍ إلى المصالح والمفاسد لاختلاف الأحوال والأزمان والأماكن والأشخاص لابد أن يحكم فيها وفق ما تقتضيه هذه المتغيرات من مصالح ومفاسد في حدود قواعد الشريعة ومقاصدها
قال شيخ الإسلام (فلا يجوز دفع الفساد القليل بالفساد الكثير ولا دفع أخف الضررين بتحصيل أعظم الضررين فإن الشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها بحسب الإمكان ومطلوبها ترجيح خير الخيرين إذا لم يمكن أن يجتمعا جميعا ودفع شر الشرين إذا لم يتفقا جميعا) (المسائل الماردينية /63-64) نقلا عن كتاب النصيحة للفاضل الشيخ إبراهيم الرحيلي/32)
وأما أن يلزم فيها قاعدة مطردة ويلغي النظر في اختلاف هذه المتغيرات فهذا غير سديد
قال الفاضل العلامة المحقق صالح بن عبد العزيز آل الشيخ ( أن نسعى في أطر معينة لا نتعداها وألا نحدث الآخر لأنه كذا وكذا هذا يفقدنا البناء الداخلي والمحافظة على رأس المال لأن الفرقة وقعت وإذا وقعت فلابد من الاختلاط الذي معه إصلاح إصلاح هذا الشعب الذي حصل كيف يكون الإصلاح بالمناقشة بالمحاورة بطرح جميع القضايا ليس ثم قضية الآن يمكن أن يقال لا تناقش نعم هناك بعض الدعوات عندها قضايا لم تطرح إلى الآن ولكن الخاصة يعلمونها لابد من طرح جميع القضايا إذا كان ديدننا الحق أما أن تفجأ الناس بين حين وآخر بآراء أو أن تكون آراؤنا حبيسة لأطر معينة لاشك أن هذا ليس من وسائل البناء ) (شريط الغثاء والبناء /الشريط الأول )
ومن هذه المسائل مسألة الهجر فقد جعلها البعض قاعدة مطردة من غير نظر إلى المصالح والمفاسد وهذا سبب كثيراً من الفوضى والغثائية حتى أنه بني على عدم الهجر التضليل والتبديع أو التحذير والتشنيع
وإليك تحقيق شيخ الإسلام حيث قال ( وهذا الهجر يختلف باختلاف الهاجرين في قوتهم وضعفهم وقلتهم وكثرتهم فإن المقصود زجر المهجور وتأديبه ورجوع العامة عن مثل حاله فإذا كانت المصلحة في ذلك راجحة بحيث يفضي هجره إلى ضعف الشر وخفيته كان مشروعاً وإن كان لا المهجور ولا غيره يرتدع بذلك بل يزيد الشر والهاجر ضعيف بحيث يكون مفسدة ذلك راجحة على مصلحته لم يشرع الهجر بل يكون التأليف لبعض الناس أنفع من الهجر والهجر لبعض الناس أنفع من التأليف ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يتألف أقواماً ويهجر آخرين كما أن الثلاثة الذين خلفوا كانوا خيراً من أكثر المؤلفة قلوبهم ولما كان أولئك كانوا سادة مطاعون في عشائرهم فكانت المصلحة الدينية في تأليف قلوبهم وهؤلاء كانوا مؤمنين والمؤمنون سواهم كثير فكان في هجرهم عز الدين وتطهيرهم من ذنوبهم وهذا كما أن المشروع في العدو القتال تارة والمهادنة تارة وأخذ الجزية تارة كل ذلك بحسب الأحوال والمصالح. وجواب الأئمة كأحمد وغيره في هذا الباب مبني على هذا الأصل ولهذا كان يفرق بين الأماكن التي كثرت فيها البدع كما كثر القدر في البصرة والتنجيم بخراسان والتشيع بالكوفة وبين ما ليس كذلك ويفرق بين الأئمة المطاعين وغيرهم وإذا عرف هذا فالهجرة الشرعية هي من الأعمال التي أمر الله بها ورسوله فالطاعة لابد أن تكون خالصة لله و أن تكون موافقة لأمره فتكون خالصة لله صواباً فمن هجر لهوى نفسه أو هجر هجراً غير مأمور به كان خارجاً عن هذا وما أكثر ما تفعل النفوس ما تهواه ضانة أنها تفعله طاعة لله ) الفتاوى ( 28/ 206 ).
فلا غرابة إذا أن تختلف وجهات النظر في تحديد مقتضى المصلحة في هذه المسألة وغيرها من أشباهها فهل يبنى التبديع على كل خلاف من هذا القبيل؟
قال الفاضل العلامة المحدث عبد المحسن العباد ( وقريب من بدعة امتحان الناس بالأشخاص ما حصل في هذا الزمان من افتتان فئة قليلة من أهل السنة بتجريح بعض إخوانهم من أهل السنة وتبديعهم وما ترتب على ذلك من هجر وتقاطع بينهم وقطع لطريق الإفادة منهم وذلك التجريح والتبديع منه مايكون مبنياً على ظن ما ليس ببدعة بدعة ومن أمثلة ذلك أن الشيخين الجليلين عبدالعزيز بن باز وابن عثيمين رحمهما الله قد أفتيا جماعة بدخولها في أمر رأيا المصلحة في ذلك الدخول وممن لم يعجبهم ذلك المفتى به تلك الفئة القليلة فعابت تلك الجماعة بذلك ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل انتقل العيب إلى من يتعاون معها بإلقاء المحاضرات ووصفه بأنه مميع لمنهج السلف مع أن هذين الشيخين الجليلين كانا يلقيان المحاضرات على تلك الجماعة عن طريق الهاتف ومن ذلك أيضاً حصول التحذير من حضور دروس شخص لأنه لا يتكلم في فلان الفلاني أو الجماعة الفلانية ) كتب ورسائل ( 6/ 320 ).
فصل
وفي خضم هذه الفتن انتشرت ظاهرة التصنيف بالباطل والظن المرجوح وقد عالج هذه الظاهرة الفاضل العلامة المحقق بكر أبو زيد في كتابه القيم تصنيف الناس بين الظن واليقين فقد رد هذا المنهج الذي هو دخيل على أهل السنة في حين أن كان خفياً حتى ظن بأنه يقصد السلفيين الذين ردوا على أهل التحزب وأما الآن فقد ظهر جلياً ما خشيه ففي الوقت الذي قوى فيه جهد الدعاة إلى الحق بنشر التوحيد والسنة ورد الشرك والبدعة (بدا لقاء مايحملونه من الهدى والخير والبيان اختراق ظاهرة التجريح لأعراضهم بالوقيعة فيهم وفري الجراحين في أعراضهم وفي دعوتهم ولما وضعه سعاة الفتنة من وقائع الافتراء وإلصاق التهم وألوان الأذى ورمي الفتيل هنا وهناك مما لا يخفى في كل مكان وصلته أصواتهم البغيضة ) (تصنيف الناس/ 5- ط دار العاصمة)
وها أنا ذا أنقل شيئاً من كلامه وفيه بيان لمراده من تأليف كتابه ( إن كشف الأهواء والبدع المضلة ونقد المقالات المخالفة للكتاب والسنة وتعرية الدعاة إليها وهجرهم وتحذير الناس منهم وإقصاءهم والبراءة من فعلاتهم سنة ماضية في تاريخ المسلمين في إطار أهل السنة معتمدين شرطي النقد العلم وسلامة القصد العلم بثبوت البينة الشرعية والأدلة اليقينية على المدعى به في مواجهة أهل الهوى والبدعة ودعاة الضلالة والفتنة وإلا كان الناقد ممن يقفو ما ليس به علم وهذا عين البهت والإثم، ويرون بالاتفاق أن هذا الواجب من تمام النصح لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ولأئمة المسلمين وعامتهم وهذا شرط القصد لوجه الله تعالى وإلا كان الناقد بمنزلة من يقاتل حمية ورياء وهو من مدارك الشرك في القصد، وهذا من الوضوح بمكان مكين لمن نظر في نصوص الوحيين الشريفين وسير الأئمة الهداة في العلم والدين ولا يلتبس هذا الأصل الإسلامي بما تراه مع بلج الصبح وفي غسق الليل من ظهور ضمير أسود وافد من كل فج استعبد نفوساً بضراوة أراه تصنيف الناس وظاهرة عجيب نفوذها هي رمز الجراحين أو مرض التشكيك وعدم الثقة حمله فئام غلاظ من الناس يعبدون الله على حرف فألقوا بجلباب الحياء وشغلوا به أغراراً التبس عليهم الأمر فضلوا فلبس الجميع أثواب الجرح والتعديل وتدثروا بشهوة التجريح ونسج الأحاديث والتعلق بخيوط الأوهام فبهذه الوسائل ركبوا ثبج التصنيف للآخرين للتشهير والتنفير والصد عن سواء السبيل ومن هذا المنطلق الواهي غمسوا ألسنتهم في ركام من الأوهام والآثام ثم بسطوها بإصدار الأحكام عليهم والتشكيك فيهم وخدشهم وإلصاق التهم بهم وطمس محاسنهم والتشهير بهم وتوزيعهم أشتاتاً وعزين في عقائدهم وسلوكهم ودواخل أعمالهم وخلجات قلوبهم وتفسير مقاصدهم ونياتهم ) (تصنيف الناس/8)
وقال( وبعد الإشارة إلى آثار المنشقين وغوائل تصنيفهم فإنك لو سألت الجراح عن مستنده وبينته على هذا التصنيف الذي يصك به العباد صك الجندل لأفلت يديه يقلب كفيه متلعثماً اليوم بما برع به لسانه بالأمس ولوجدت نهاية ما لديه من بينات هي وساوس غامضة وانفعالات متوترة وحسد قاطع وتوظيف لسوء الظن والظن أكذب الحديث وبناءً على الزعم وبئس مطية الرجل زعموا فالمنشق يشيد الأحكام على هذه الأوهام المنهارة والظنون المرجوحة ومتى كانت أساساً تبنى عليه الأحكام ؟؟) (تصنيف الناس/ 30)
وقال ( ومن طرائقهم ترتيب سوء الظن وحمل التصرفات قولاً وفعلاً على محامل السوء والشكوك ومنه التناوش من مكان بعيد لحمل الكلام على محامل السوء بعد بذل الهم القاطع للترصد والتربص والفرح العظيم بأنه وجد على فلان كذا وعلى فلان كذا ) (تصنيف الناس/32)
وقال شيخ الإسلام ( ومن أعظم التقصير نسبة الغلط إلى المتكلم مع إمكان تصحيح كلامه وجريانه على أحسن أساليب كلام الناس ثم يعتبر احد الموضعين المتعارضين بالغلط دون الآخر ) الفتاوى ( 31/ 114 )
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه
كتبه/ أبوعلي محمد بن علي الحملي
23/5/1431