نقطة التحول الثالثة
وكما بدأتُ مشواري الجامعي أنهيتهُ بعد تدني معدلي التراكمي فاستمعتُ إلى نصيحة أحدهم وسحبت ملفي وعدتُ إلى المنزل بخفَّي حنين ، عدتُ لا أعلم حقاً ماذا سأفعل ؟! أن تكون عاطلاً تلك تهمةٌ تجعلكَ محط أنظار الجميع وحديث سكان القرية لشهورٍ عديدة ، أصبحتُ لا أفكر في الخروج هرباً من تساؤلات الجميع ! وأمضيت تسعة أشهرٍ من حياتي أبحثُ عن نفسي ولا أجدها فأتكومُ حول روحي لأقيها زمهرير البطالة ! وفي يوم من الأيام جاء أبي ليخبرني بوجود وظيفة في أحد القطاعات العسكرية ، وكأنه سكب على رأسي ماءً بارداً فانتفضت وأخذت أبحث عن أوراقي لأنضمَّ لأكوام المتقدمين إلى وظيفة يقتاتون منها خبزاً يقيمون به صلب جوعهم. وتم قبولي ولله الحمد كانت هذه الوظيفة نقطة تحول هامة في حياتي أن تكون موظفاً تلك نعمة يبحثُ عنها الكثير ولا يجدونها. أن تقبض أوراقاً آخر الشهر ثم تبحثُ عنها في اليوم التالي فلا تجدها فهذه أيضاً نعمة يجبُ أن تحمد الله عليها ، فهناك من هو بحاجة لقبض هذه الأوراق فقط ليشاهدها ، يتلمسها بأنامله ثم يُعيدها. قالوا لي أن تعييني سيكون في منطقة الجوف ، حينها قلتُ مقولتي الشهيرة التي ما زلتُ أذكرها ـ لو أنها في الخرخير ! ـ ولا أعلمُ حقاً لم إخترتُ هذه المدينة بالذات أنا لا أعلمُ عنها شيئاً غير أنها إحدى مدن بلدنا الغالي والعهدة على " حسن كراني " ! كنتُ أعتقد أن منطقة الجوف لن تكون أبعد من جدة ، أو حتى الرياض على أبعد تقدير ، أنا حقاً لم أكن أعلمُ أين تقع هذه المنطقة عند عودتي إلى المنزل بحثتُ عن أي معلومات متوفرة عنها ووجدتُ أنها في أقصى شمال المملكة العربية السعودية ! للأمانة فقد أصبتُ بصدمة ولكن لم تكن صدمتي أكبر من حاجتي في ذلك الوقت بالتحديد للعمل ، وإلا كنتُ سأصابُ بالجنون حتماً ! أكملتُ المدة المحددة لدورتي العسكرية ، وبعدها بدأتُ في التفكير كيف سأصلُ إلى هذه المنطقة ، وعبر أي وسيلة مواصلات ، كنتُ أعتقد في السابق أن الطائرة تستطيع الذهاب بكَ إلى أي مكان ترغب في الوصول إليه بسهولة ! لم أكن أعلمُ أن السفر إلى منطقة الجوف سواءً بالسيارة أو الطائرة يحتاج إلى نوم عميق لمدة أسبوع على الأقل وهذه نصيحة لمن لا يعرفها ، أما من يعرفها فأقول لهُ : أنتَ حتماً مررت بالتجربة وأنت في هذه اللحظة تهزُّ رأسكَ دليل تأييدكَ لكلامي ! أن تضطر للمرور بعدة مطارات أثناء رحلتكَ من منطقة إلى منطقة أخرى تقع في بلد واحد فتلك مصيبة ! أما أن تضطر للإنتظار في كل هذه المطارات لمدة تصل إلى أربع ساعات وقد تطولُ إلى ما هو أكثر فتلك كارثة حقيقية ! أما السفر بالسيارة إليها فتلك مغامرة تحتاجُ الكثير من الصبر ، ولا أنصح أحداً بالإقدام عليها. أنا أعلمُ أني أخبركم بأشياء ربما لا تهمكم وكلٌ منكم الآن يقول في صدره. ليتني لم أُضع وقتي على شيء لا يستحق ؟! أعرفُ تماماً أنه كلام لا يهمكم من قريب أو بعيد ، ولكنكم هُنا لمعرفة نقاط التحول في حياتي ، وأنا أسردُ لكم حياتي وليس نقاط التحول بها فقط ، هذا لأني منذُ زمن طويل لم أجد أحداً يستمعُ لثرثرتي ، فأي مجنونٍ هذا الذي سيضيعُ وقتهُ في الإستماع إليّ ! أنا لا أكتبُ حِكماً سيستفيدُ منها من يقرأني ، ولا أكتب شيئاً يستحقُّ القراءة ، ولا أكتبُ إكتشافات هامة ستجعلني مرشحاً لنيل جائزة نوبل ! أنا أكتبني فقط وهذا شيء لا يهمُّ أحد ، ولن ينتبه إليه أحد ، وسيطوى كما طويت الكثير من الكلمات قبله ، ولن أتحسر عليه ، فما دامت أناملي تستطيع ( الطقطقة على الكيبورد ) فسأكتبُ الكثير من الكلام من ذلك النوع الذي تنساهُ بمجرد أن تغلق الصفحة ، وستستمرُّ مأساتكم إلى حين !
وإلى لقاء آخر في نقطة التحول الرابعة