مرحبا أختي الغالية ماريا
مرحبا بك أستاذي الفاضل
ملاذ الحريات المفقودة ..بين الحرية الأصيلة والحرية المقلدة ..
قضية مهمة وطرح راقي جدا وهادف.. تصوير لواقع الأمة العربية والاسلامية في العصر الحالي وفقدان هويتها وحريتها الأصيلة..
واقع ينم عن خلل وضعف وقصور في نواحي عدة..
الحرية في الشريعة الاسلامية متواجدة وبمساحات واسعة لكنها محكومة بضوابط وأطر ..وهذه الضوابط تختلف اختلافا كليا عن ضوابط الحريات الغربية ..وفارق الضابط ان الحرية في الاسلام حرية مسؤولة تسير وفق منهج الشريعة الإسلامية الثابت وهوية المجتمعات المسلمة المتأصلة التي تُنشِئ داخل الفرد وازع ذاتي يحول بينه وبين تجاوز أطر تلك الحرية المعطاة وهذا بخلاف الحرية الغربية التي تحكمها القوانين البشرية والمتغيرة حسب أهواء النفس وما يتوافق مع رغباتهم.. حتى وان كانت غير اخلاقية فلا ضير فهم قد يضعون قانونا يسمح بممارسة الرذيلة وسوء الاخلاق في اطار الحرية الشخصية ..!!
هنا مكمن الخلاف و الاختلاف سيدي ... فالحرية المضبوطة وفق شريعة سماوية
نزيهة عن كلّ رغبات زائفة أما تلك التي ينشدها البعض في مجتمعاتنا اليوم
متّخذين الفكر الغربي نموذجا فلا تعدو أن تكون مجرّد هوى نفسي زائل
و يضعنا هذا أمام نفوس لا تعي من إرادتها غير المحاكاة و أخرى تشرّع و ترجو
ما ليس بموافق لأصالة الفكر و العقلانية ...
/
في مجتمعاتنا وبكل أسف عدم فهم ووعي لمفهوم الحرية الاسلامية المنضبطة عند البعض ..أومحاولة من هؤلاء البعض لتهميش المفهوم الصحيح..
وفي نفس الوقت انبهار بالحرية الغربية رغم فوضويتها..وسلبياتها على الافراد والمجتمعات
وسبب ذلك هو الاحساس بالضعف والانهزام امام السيطرة والهيمنة للتقدم الغربي حضاريا وثقافيا وعلميا واقتصاديا ..و..
ومن المعروف ان القوي يفرض سيطرته على القوى الضعيفة ويصبح محلا للإعجاب وتقبل لأفكاره ..
والأمة التى تنظر للآخر بانبهار وأفضلية مطلقة مع الشعور بالاحباط ..تصاب بالاعاقة وتعجزعن التقدم والنهوض،
وبكل أسف هذا حال بعض ابناء المسلمين المتشدقين والناعقين بالحرية الزائفة والمطبلين لنظام الحرية الغربية
ومن هنا كانت نقطة التذويب الغربي لكثير من الشعوب لمحو الهوية الخاصة بكل أمة وفرض الثقافة الغربية وحرياتهم المزعومة والزائفة والضالة بحجة العولمة ..ومما يؤسف يا سيدتي هو انجراف الكثير لمستنقع التذويب..وبكل أسف أيضا ان من ساعد على ذلك الفضائيات والاعلام العربي المسموم بسموم الغرب ،والاعلانات االداعية للحرية الغربية المنحطة والفارغة والتي لا هم لها الا الكسب المادي..وبدعم من الشركات المعادية للإسلام ..
نعم فالمغلوب مولع بتقليد الغالب كما يقول " ابن خلدون " و هذا ما نراه متجسدا
حقا في واقعنا الحالي ... شعوب انبهرت حد الذوبان كما ذكرت سيدي فلا هي
سارت مع تقدمهم و لا هي حافظت على هويّتها سليمة من الشوائب
و لعلّ التقليد الأعمى و ما روجته مختلف أساليب العولمة التي نسبح في
بحرها كان الناشر الأوّل لفكرٍ لا يمتّ للتحرر بصلة
/
ومع هذا الانبهار والتذويب والانجراف تولد لدى بعض الشباب والفتيات الشعور بكبت الحريات في مجتمعاتهم المسلمة والمحافظة على الاخلاق والقيم ومبادئ الدين ..فكان التقليد والانفلات احيانا، والانسلاخ والتمرد على ضوابط الحرية المؤطرة بالاطر الشرعية ..
حتى رأينا ما يندى له الجبين عند أغلب شباب الامة وفتياتها تحت مسمى الحرية الشخصية ..الزائفة..والمقلدة..ومحاكاة الغرب..
/
لذا فالحرية المثلى يا سيدتي لا تنبع من ارادة مطلقة ،بل هي التي تنبع من توجيه داخلي ذاتي يحكمه الوازع،
ويسير وفق ضوابط شرعية وقيم اخلاقية ثابته،وثقافة متوارثة،وهوية خاصة بالاأمة..
وفي ظل هذه الضوابط نشعر بالحرية الأصيلة المفيدة لنا ولمجتمعنا ولآمتنا وغير ذلك فهي حرية محاكاة وتقليد سلبي مخزي..
إذن يجب علينا أن نعي من الحرية هويتنا و ثقافتنا و لا بأس أن نسير في درب
الفكر و التقدم الذي وصله غيرنا لكن دون أن ننسى ضوابطنا في حدود إرادة
لا تسلبها المعيقات قيادتها![]()
/
أرى أنه من الأفضل للمعنيين امام العراك النفسي للشباب وضياع الهوية والثقافة الاسلامية في خضم سيطرة الفكر الغربي ومفهوم الحرية الفوضوية والزائفة الذي انساق له الاغلبية .. أن يعملوا بجدية لتأصيل مفهوم الحرية المنضبطة بالأطر الشرعية..
وذلك عبر مناهج الدراسة ،وبالتربية السليمة فكريا وثقافيا واجتماعيا ، ومن خلال الاسرة وتفعيل دورها التربوي والتوجيهي،
وتفعيل البرامج التوعوية ،وتفعيل دور المدرسة في ذلك، وافراد حلقات اعلامية ودراسية لتسليط الضوء على نماذج تأريخية سادت وتفوقت مع الحريات الاسلامية المنضبطة..ونماذج آخرى مغايرة، لسقوط وانهيار المجتمعات ذات الحرية الزائفة والمنفلته ..
والقائمة على القوانين الوضعية ومسايرة الافعال الغير اخلاقية..والمتعارضة مع الدين والمبادئ والاخلاق ..
أوافقك هنا لحدّ بعيد لكن صدقني سيدي الحرية لن تكون مادة للتدريس
بقدر ما هي مبدأ أصيل تجبل عليه العقول الثائرة![]()
تحياتي وتقديري
شكرا من الأعماق لهذا الوجود الجميل و الحوار الراقي أستاذي الفاضل
سعدت بمناقشتك![]()