نادر جدا أن نسمع مسؤولا يقول «من الخطأ والعيب أن يحمل المواطن تبعات ما حدث»، لأن الخطاب السائد هو تحميل المواطن جزءا كثيرا أو قليلا من أسباب وتبعات أي مشكلة تحدث حتى لو كانت براءته أوضح من الشمس في رابعة النهار.. هذا الخطاب الرسمي غير المألوف سجله الدكتور عبدالله السويد وكيل إمارة منطقة جازان ونشرته صحيفة الوطن يوم الأربعاء 9 شوال، ويستحق عليه الشكر والتقدير، خصوصا أنه استخدم في تعبيره مفردة العيب إضافة إلى مفردة الخطأ، وهي المفردة المناسبة جدا في مخاطبة أي جهة تتخلى عن مسؤوليتها في حدوث أي مشكلة وتعلقها على كتف المواطن الذي تتكسر عليه النصال فوق النصال من كل حدب وصوب..
والحدث الذي يعنيه وكيل الإمارة هو غرق قرية الكدمي في جنوب منطقة جازان بعد أن داهمتها السيول، وبدأت الجهات المعنية ــ كالعادة ــ تتقاذف المسؤولية فيما بينها لتبرئة ساحاتها، ويبدو أن ذلك ما استفز وكيل الإمارة ليصف الأمر بأنه خطأ وعيب، بعد أن حمل «عددا» من الجهات الحكومية مسؤولية ما حدث، وحين تغرق قرية فإنه ليس صعبا تحديد تلك الجهات حتى لو لم يذكرها. ولأنه أمر طبيعي أن تفضح تلك الجهات بعضها البعض فقد نشرت الصحيفة في عدد يوم الخميس تصريحا لمدير الدفاع المدني يبرئ إدارته من المسؤولية ويلقي بها في ساحة مشروع درء مخاطر السيول غير المكتمل، فما كان من رئيس البلدية غير الدفاع عن حماه وإلقاء كامل المسؤولية على مقاول المشروع، وكأن هذا المقاول لا يعمل وفق أنظمة وضوابط وتحت متابعة وإشراف جهة حكومية لها مراجعها العليا التي تستطيع التدخل قبل أن يتعرض الناس للخطر..
المشروع ليس لدرء مخاطر فيضانات نهر النيل أو الأمازون ولكنه لدرء مخاطر سيول موسمية لم تكن لتتسبب في حدوث الكارثة لولا الإهمال في تنفيذ المشروع. يقول شيخ القرية إن المشروع متوقف منذ عام 1429هـ، بينما يقول رئيس البلدية إن المرحلة الأولى من المشروع قد انتهت ورسيت المرحلة الثانية على مقاول آخر منذ سنة لكنه لم ينجز منها سوى 10% ثم توقف منذ 8 أشهر، مؤكدا أن البلدية اتخذت كافة الإجراءات النظامية ضد المقاول، ولا ندري ما نفع هذه الإجراءات إذا كانت النتيجة في النهاية غرق القرية.. طبعا لن تقوم الدنيا لغرق قرية «الكدمي» لأنها ليست في الواجهة، هي مجرد قرية صغيرة في أقصى الجنوب لكن إذا كانت أهمية المواطن متساوية في كل أجزاء الوطن فإن مجرد وصف ما حدث بأنه خطأ وعيب لا يكفي، ولا بد من محاسبة كل جهة على مسؤوليتها، وتوضيح الحقيقة بكل تفاصيلها للمجتمع.. حين يغرق المواطن في الكدمي يجب أن لا يختلف عن المواطن الذي يغرق في جدة..
الدكتور - حمود ابوطالب
http://www.okaz.com.sa/new/Issues/20...0910443823.htm