نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

قصة قصيرة- هانم الفضالي

إهداء إلى شهيد المحرقة المخرج/ حسني أبوجويلة

برغم صغر سنه كان سارقا ولا يسرق إلا ما يساعده على رؤية الكلمات حين يزج بجسده الضئيل

خلف الصناديق المكدسة بالكتب فوق سندرة المطبخ ...

مختفيا خلفهم مشعلا شمعته المسروقة. منكبا على قراءة ما تصل إليه يده الصغيرة بسهولة

حتى لا يحدث ضجيجاً يزعج أمه الباحثة دوما بصراخها المنتحب


يا بني ارحمني وارحم نفسك ... ستعضك الفئران وتمون مسموماً.


لا يخشى الفئران لأنها صديقته فهي لا تقرض كتبه ولن تعضه أبداً ..

ينزل درجات السلم الخشبي المسنود على حافة السندرة متوسلا لأمه أن تدعه وشأنه فهو لا يميل إلى اللعب مع الرفاق

ولا يهوى مزاحهم لكنه يعشق رحيق جده المنبعث من الكتب ويقسم منفعلا بأنه لن يخذلها وسوف ينجح.

تقرأ ملامح أبيها على وجهه... تتراجع .. تنسحب غير معلقة ...

تكر صفحات السنوات، ويتأكد لها إصراره على ممارسة هوايته ...

خلف باب حجرته المغلق تسمعه محدثاً نفسه باللغة العربية بصوت منغم يصاحبه أحياناً نهنهات وتوسلات ...

تنقر على الباب بخفة لا يسمعها .. تزداد النقرات حدة .. لا يسمعها .. بكفيها تضرب الباب بقوة ..

يفتحه منكسا رأسه معتذراً لانشغاله بشخصيات مسرحيته الجديدة ..

تلكزه بقوة وتهجم على أوراقه تبعثرها بغيظ وتدس يدها تحت وسادته وتسحب الشمعة

وترفعها أمام عينيه وتتحدث ساخرة

أظنك تعتبرني جاهلة بما تفعله ... أعرف أنك تقرأ في عتمة الليل على نورها ..

تتراجع وتتكىء على مكتبه وتكمل

إن كنت مصراً .. فأوقد النور..

يرتعش جسدها .. ترميه في حضن كرسيه وتتحسس سطح المكتب ببطن يدها مزيحة الكتب جانبا وتتنفس حزناً


إنك وحيدي وأخاف عليك نارا المسرح ... تخليت عن دراستك بكلية الهندسة بحجة أنها دراسة علمية لا طاقة لك بها ..

وتباطأت في الانتظام بكلية التجارة بحجة انشغالك بمسرح الهواة ...

تنهيدة تشق صدر أحلامها المجهضة فتهب واقفة .. تواجهه.. ترفع سبابتها أمام عينيه محدقة بعينيها المنكسر

النظرات ..

- أنتبه من دراستك أولا ثم إلتحق بالمعهد المسرحي .. أليس هذا أسمه؟

تبسط كفيها على كتفيه وتكمل متوسلة ...

- أرجوك أنجح يا ولدي حتى لا أتهم بالتقصير في تربيتك بعد موت أبيك ..

تظنه مسحوراً .. هي في واد وهو في واد آخر .. فياله مشغول بتوزيع الأدوار وحركة الممثلين والديكور ..

إنه عرضه الأول أمام لجنة التحكيم .. أكون أو ....... تنتحر ..... أكمل شيطانه..

يبصق على شماله ويقبل يد أمه متوسلا أن تمن عليه بالدعاء فلاقى الدعاء استجابة ..

واليوم .. هو في طريقه لاستلام الجائزة الخامسة والعشرين من بلاد بعيدة .. عشقت مسرحه ... تناسى علة قلبه الذي

أجهده السهر وأضناه الانفعال .. تغاضى عن أجازته المرضية ورافق الأصدقاء .. الزوجة المشغولة بإعداد ما يحبه من

الطعام تخشى انفلات الوقت فلا تجد متسعاً للاهتمام باللمسات الأخيرة لوجهها وملابسها .. الأم تنتظره بلهفة المشتاق

لشربة ماء تطفئ بها الظمأ.... الأولاد يتسابقون في طرح الافتراضات لنوعية الجائزة .. تمنوا لو كانت مالية فالأبواب

انفتحت على مصراعيها وهبت أعاصير بداية العام الدراسي نازفة ما في الجيب متحدية ما في الغيب .. يعود في وقته

تماما .. مشحوناً في صندوق الموتى !!! أثر حريق ببيته المسرحي المغلق بابه...