(نشرت «عكاظ» في عددها الصادر الجمعة 22/12/1432هـ، تحقيقا ميدانيا عن تعاطي نبتة القات ومؤثراتها. وتضمن التحقيق إحصاءات واستنتاجات لبحث علمي أوردتها الصحيفة على لسان الباحث. واعتبرت تلك الاستنتاجات التي تحدثت عن تبعات التعاطي اجتهادات مسيئة لأهالي منطقة جازان الذين تكن لهم الصحيفة كل الاحترام، مواطنين أعزاء في جزء مستنير من الوطن العزيز، ما لزم معه التنويه والاعتذار للجميع.)العدد: 3825 - لأربعاء 12/01/1433 هـ - 7 ديسمبر 2011 م .
انتصار الغيورين
حدث ما حدث. وانتصرت جازان بحقوق آجلة لأمر مستحق. انتقدنا الآخرين لتلاعبهم بعواطفنا، وغرسنا في طريقهم حقائقنا الفعلية، وحدث أن تعرقلت سيقانهم الملتوية بها، مما تسبب في سقوطهم أرضاً. نهضتنا كانت قادرة على تكميم الأفواه الطامحة في تسلّق أعناقنا بلعانٍ موبوء، وعبارات لا تصويب لها منذ الخطأ الأول. حقيقتنا لا يمسها الجالسون بالأعلى. تجرّعنا الترّهات زمناً لنبدو أكثر وسامةً من غيرنا، ولنُبقي وجوهنا خاليةً من البثور، وحبّ الشباب. قرأنا ليالٍ طوال. رضعنا كثيراً من ألبان الثقافة، وأنواعاً من كتب الإنسانية العظمى. فينا وجد الطفل مكتبةً مكتملةً في ثديّ أمه. وستر عراء طفولته بأوراق الوعي المغروسة في الأرض منذ الأزل. كبار حرثوا صدرونا بعلومٍ قروية، وأحاديث كروية تعلّمنا حقوق الأرض علينا، وأضواء العابرين بنا. جازان تعي جيداً أنها جازان، وأبناءها يعرفون جيداً أنها كذلك. فيها فتح الله لأهلها بحراً، وبراً، وجواً لا يتواجد مثلهم في أركان الدنيا.. وإن وجد فهو بحاجةٍ ماسة لمن يصفه، ويتغنى به، ويتغزل في ضحكاته الأثرية. خلقت المنازل فيها من أذرع بشريةٍ غالية. استلّ القدامى معاولهم ليخرجوا من باطن الأرض ثمراً مختلف ألوانه. انتشر فيها العسل، والزهر، والنباتات العطرية بكل الزوايا. إنها أرض برمائية تسقي نفسها، وتنبت نفسها، وتزرعها السماء بكل الجهات. جازان تعتذر لنفسها عندما يغتالها البشر، أو يعبث معها الصغار الخارجين عن خرائطها الطاهرة. فيها تلد الصلاة خمس مرات، ومنها يخرج العِلم ماشياً، وراكباً، وطائراً. القصيدة تقرأها في أزقة حاراتها الأولى، والثانية، والثالثة.. القديمة، والحديثة، والوليدة. ترابها مصفوف على هيئة روايةٍ عذبة، وأشجارها قصائد عمودية، ونباتاتها شعر حر. جازان تعي جيداً أنها لن تموت لهذا عاشت لتشاهد انتصارات عظمى، وعليها أن تواصل انتصاراتها الجديدة، بوجه أمتها المولودة من جامعات الأرض، وبطون أمهاتهم. عليها أن تقوم الآن وتصلي بذات الوضوء القديم، مع مراعاة فارق التوقيت، وعدد الركعات. صدرها الآن صالحٌ لتجويد آيات الشكر، والعرفان. جبهتها صالحة لركوع طويل ترفع منه للنظر إلى روحها المولودة من أيادٍ ربّتت على أكتافها، وجلودٍ بشرية هائلة رفعتها إلى سماء جديدة.
يمكنك الآن يا منطقة الطيبين، والطيبات أن تخرجي من أيّ محنة قادمة، شريطة أن تبقى النفوس الكبيرة على علمٍ بما يقع في النفوس الصغيرة. شريطة أن لا تقطع يدك العليا من الامتداد لليد السفلى. شريطة أن يبقى رخام وجهك الجميل صالحاً لسبعين عِقداً طاهراً تعلّقه الأزقة في نحورها، وتعلنه الشوارع قمراً إضافياً لا يغتاله وجه السماء الآخر. شريطة أن يحضن كل قلب قلب، وتمتد كل يدٍ ليد؛ لتطوى كل الصفحات العائمة في الغياب، أو المركونة في قبو الزمن الأليم.. هكذا تتصالح المدن دوماً. هكذا تخرج نحلة المنطقة الكبرى عسلاً يغذيّ الصدور، ويشفيها من كل بلاء. فيا أيتها المنطقة المائية، والجبلية، والسهلية، والبرية كوني دوماً على هذا الوفاء بجسدك المليوني الناطق عِلماً، وأدباً، وفناً، وأناشيد أرضٍ جديدة...
منقول : ( جابر محمد مدخلي )