تحية عطرة أحبتي ... قرأت الموضوع عن نهج سيدنا الفاروق عمر رضي الله عنه و هو من
أنجح المناهج فتفضّلوا بالقراءة :
تعد إدارة الفاروق عمر رضي الله عنه للمنجزات الكبيرة التي حققها بروعة وعظمة المواقف -رغم إقبال الدنيا بفتنتها من مال وجاه، و زيادة رقعة الأرض، و كثرة الوافدين إلى ديننا الحنيف نموذجا للدراسة و التنقيب و البحث.
و ربما اتسم معظم ما كُتب عن الفاروق بأنه كان تاريخيا مهتما بالسرد دون التحليل، و حين النظر إلى هذا التاريخ بمنظار الإدارة و مبادئها و علومها و فنونها، نجد الفاروق يستند في إدارته إلى مجموعة من الأسس.. فلنتأملها :
- الوضوح والدقة:
الإدارة ليست سلطة يتولاها شخص يصبح بموجبها الآمر الناهي، و ليست وسيلة بناء مجد شخصي و تحقيق غرض ذاتي، إنما هي مسؤولية ينوء بحملها من لهم قوة و عزم... هكذا يفهمها عمر رضي الله عنه، حيث يقول في أول خطبة "أيها الناس، إني قد وليت عليكم، و لولا رجاء أن أكون خيركم لكم و أقواكم عليكم ما توليت ذلك منكم، و لكفى عمرَ انتظار موافقة الحساب...".
و يضيف: "و لن يغيّر الذي وليت من خلافتكم من خُلقي شيئا إن شاء الله، إنما العظمة له و ليس للعباد منها شيء، فلا يقولن أحد منكم: إن عمر تغير منذ ولي، أعقل الحق من نفسي و أتقدم". و يقول: "أنا مسؤول عن أمانتي، لا أكِلُه إلى أحد إلا الأمناء و أهل النصح منكم، و لست أجعل أمانتي إلى أحد سواهم إن شاء الله".
و من التحليل الأولي لكلمات عمر يتضح:
1 - الكفاءة و القدرة من العناصر الملازمة لمن يتحمل المسؤولية.
2 - تحقيق الأهداف منسجمة مع الجهد و اتجاهات العمل لدى المسؤولين.
3 - التعاون و المشورة من عوامل تحقيق الأهداف.
4 - العمل تكليف و ليس تشريفا و بذلك لا يؤدي لتغيير أخلاق المسؤول.
5 - توزيع الصلاحيات لا يعفي من تحمل المسؤوليات.
.. هذه المبادئ الإدارية لم يطلقها عمر شعارا بل واقعا حيا التزم بها في كافة جوانب سنوات خلافته الراشدة.
- تحديد الأهداف و التزامه بتحقيقها:
و الأهداف مؤشرات تضيء الطريق أمام تحمل المسؤ ولية، و تساعد على تحقيقها بأقل وقت و جهد و تكاليف.. وتلك حقيقة يدركها عمر منذ اليوم الأول؛ لذا حدد أهداف إدارته، فيقول في أول خطبة له: "و لكم عليَّ أيها الناس خصال أذكرها لكم فخذوني بها، لكم عليَّ ألا أجتبي شيئا من خراجكم و لا مما أفاء الله عليكم إلا من وجهه، و لكم عليَّ إذا وقع في يدي ألا يخرج مني إلا في حقه، و لكم عليَّ أن أزيد عطاياكم و أرزاقكم إن شاء الله و أسد ثغوركم، و لكم عليَّ ألا ألقيكم في المهالك و لا أجمركم في ثغوركم، و إذا غبتم في البعوث فأنا أبو العيال حتى ترجعوا إليهم؛ فاتقوا الله عباد الله و أعينوني على أنفسكم بكفها عني، و أعينوني على نفسي بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و إحضاري النصيحة فيما ولاني الله من أمركم".
.. يقرر الفاروق عمر رضي الله عنه أهداف الدولة التي يلتزم بها و يحددها بشكل دقيق: عدم إرهاق كاهل الأمة ماليا، و حسن تصريف الأموال، و العمل على تحسين مستوى المعيشة، و حماية الدولة من الاعتداء الخارجي، و تحقيق الاطمئنان النفسي، و الرعاية الاجتماعية. و قد كان عمر خير من التزم بتحقيق هذه الأهداف على الوجه الأكمل.
- شروط نجاح العمل:
روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: "القوة في العمل ألا تؤخر عمل اليوم لغد، و الأمانة ألا تخالف سريرة علانية، و اتقوا الله عز وجل...". هذه القواعد الثلاثة الهامة التي أقرها عمر رضي الله عنه التزمها في كافة أعبائه الإدارية، فما أجّل عملا إلى غير وقته، و حزم كل أمره حتى اعتقد البعض مركزية القيادة في منهج عمر.
و الأمانة كانت العنصر الأساسي في مراحل إدارته للدولة، فكانت خشية الله نصب عينيه، فالتزم التقوى في رعيته.
- إدراك دور القدوة:
من أبرز مشاكل الإدارة المعاصرة غياب النموذج أو القدوة.. و قد كان اهتمام الفاروق بتطبيق القدوة الصالحة و النموذج الأمثل لذلك يقول: "الرعية مؤدية إلى الإمام ما أدى الإمام إلى الله فإن رتع الإمام رتعوا".
ثم حدد علاقته بخزينة الدولة و هي أكثر الجوانب حساسية في العمل الإداري فقال: "إني أنزلت نفسي من مال الله منزلتها من مال اليتيم إن استغنيت استعففت و إن افتقرت أكلت بالمعروف".
و قد التزم ذلك بدقة متناهية فلا ينال من بيت مال المسلمين زيادة عن راتبه إلا إقراضا، و قد ساعده ذلك على إلزام ولاته بهذا المنهج القويم.
و لم يكن يمارس هذا المنهج في المال فحسب بل في كافة شؤون الحياة، و ليس أدل على ذلك من حادية السمن في عام الرمادة.. و قد كان نموذجا لأهله في ذلك فقرر القاعدة الذهبية "من استعمل رجلا لمودة أو قرابة لا يستعمله إلا لذلك فقد خان الله و رسوله و المؤمنين".
- نشر الوعي بين الجمهور حول الأهداف و الصلاحيات:
لكي يحدث التفاعل في العملية الإدارية لا بد أن تحقق درجة من الوعي لدى الجمهور.. و يتحقق ذلك الوعي بالمعرفة الواضحة بأهداف المؤسسة و التحديد الدقيق لصلاحيات بمسؤوليات أعضاء الهيئة الإدارية؛ تحسبا لاستغلال عدم وضوح رؤية الجمهور بالاستغلال السيئ للصلاحيات و المسؤوليات.
و لقد أدرك الفاروق عمر رضي الله عنه أهمية هذا الأساس.. و رغم محدودية وسائل الإعلام في عهد الراشد فإن العزيمة و الصدق و الأمانة ساهمت في نشر الوعي المطلوب.
فقال: "أيها الناس إني ما أرسل إليكم عمالا ليضربوكم و لا ليأخذوا أموالكم، و إنما أرسلهم إليكم ليعلموكم دينكم و سنتكم، فمن فُعل به شيء سوى ذلك فليرفعه إليَّ فوالذي نفس عمر بيده لأقصنّه منه...". ثم خاطب الولاة قائلا: "ألا لا تضربوا المسلمين فتذلوهم، و لا تحمدوهم فتفتنوهم، و لا تمنعوهم حقوقهم فتكفروهم، و لا تنزلوهم الغياض فتضيعوهم".
تلك هي أهم الأسس التي قامت عليها إدارة الفاروق عمر رضي الله عنه كان ينفذها رضي الله عنه كمن يقرأ من كتاب فغرس المفاهيم الأولى للإدارة الحقة القائمة على الأمانة و المسؤولية و التقوى و القوة معا. و حيث إن الإدارة عمل متواصل يبدأ بتحديد الهدف و ينتهي بتحقيقه؛ فقد كان الفاروق خير من مارس الإدارة.
ملاحظة : المقال بقلم د . محمد ابراهيم المدهون .
المصدر : إسلام أونلاين .