صنعاء .. مدينه الصفاء ..
وقلوب محمد وعبدالله الأوفياء ..


من هنا اكتب شهادة حب لهذه المدينة التي حباها الله بجمال طبيعة وغمام لا يبخل بمزنه وماءه الدواء .. لكل مهموم ..

من صنعاء اكتب وبالتحديد من غرفة في أعالي بناياتها الجميلة .. صنعاء التي طالما رسمت تفاصيلها في مخيلتي .. من أحاديث الأصدقاء وكلمات شعراء اليمن الأفذاذ .. ودندنة الوتر الصنعاني الحزين ..
جمالها الذي يملأ عيني ويبث في روحي أسمى معاني الشكر لخالقها .. وهواءها العليل .. الذي يمسح التعب .. وغمام وسحاب يغسل أرض صنعاء باستمرار ويغسل قلوبنا .. التي علق فيها وسخ الزمن وتلطخت بألوان بعض الناس المتلونين ..

ثلاثة .. نجتمع في هذه الجناح المتواضع ..ومن شرفة عتيقة في إحدى غرفها نحيا مع المارة في الأسفل والشارع الحي الذي يتجشأ جدية الناس وحركتهم الدءوبة ومحياهم الطلق .. من هنا نحن نطل على أهم شوارع صنعاء المدينة .. الذي يفصلنا عن صنعاء القديمة الجميلة والساحرة .. الناس بهندام متناسق مع الطبيعة لا يملون السير .. ويملئون المكان حياة وسعي .. أصوات تتطاير .. وحركات تتشكل .. أميز بعضها وأحول في فك بعضها الآخر ..
أعيش هذه اللحظات الجميلة وأعود لأصحابي الذين بدأت ألوان الفرح تتشكل في محياهم .. صنعاء حلوه .. قالها عبدالله وهو يمد يده في الهواء الطلق من النافذة وحبات المطر تلامسها وتبلل روحة البيضاء .. ومحمد هناك في الركن القصي من الغرفة يصف بهاء المكان لزوجته في وطنه .. ويصفها بنسمات الهواء التي تداعب روحة..
يقارب وقت العصر .. وننطلق في أرجاء صنعاء يقلنا باص صغير يقوده شاب جبلي نحيل من أطراف المدينة كما قال يستوقفه عبدالله لتناول وجبة الغداء .. في المطعم يصيح محمد يا هوووووووه ويرد عبدالله أي والله هذا الأكل وإلا بلاش .. وقتها كان رذاذ السماء لا زال يهطل .. ونحن نأكل .. الحمد لله ..
ننطلق في جولتنا العصرية بعد أن عرجنا على سوق الأخضر وخرجنا نمضغ تلك الأغصان الحالية .. ومضينا وكأننا ملوك في مجالس من ذهب .. نمضغ وننشد ..
صنعانية مرت من الشارع غبش ..
كان الزمن ضمئآن والفجر أشتكانا للعطش ..
لكنها لما مشت سال الندى والورد فتش وانتعش ..
ألا ليلا لا لا لا لا صنعااااااااااااااااااااانية .. هي هي .. صنعاااااااااااااااااااانية ..
يــا هوووه يا شباب .. صنعا جننتنا .. أقولها وأنا أراقب غياب شمس يومنا الصنعاني الذي لا يوصف .. وكأننا نحلم دخل المساء وبطبيعة المناطق الجبلية يخيم الهدوء وتبدأ الساعة السليمانية .. نعود وقتها لمقرنا .. لنهدء .. وتبدا جلستنا و يتحول كل منا لشاعر ينثر الكلمات والدرر في محيطنا الذي يزداد بروده ومجلسنا الساخن ونحن نتناقل أطراف الحديث من موقف لآخر ..
تمتد ليلتنا الصنعانية وأدرك الآن تماماً كيف أن الإنسان يستطيع بث همومه وأسراره البريئة لمن يحب إذا تناغمت أفكاره مع من حوله وفي بهاء صنعاء الأبية .. ذلك حين دارت في مجلسنا أوراقنا القديمة وأنكشفت أجمل أسرارنا الصادقة وتطايرت قصصنا الحزينة والطاهرة ..
يحكي محمد حكاية المنديل وزمن العشق العفوي البريء تلك الحكاية التي رسمها القدر ولم يكتب لها أن تتكون بانسجام حين حاول البعض أن يمزقها والبعض أن يحطمها وأصرت اللوحة أن تظل دون ألوان .. وأن يعلقها النصيب في جدار باهت ..
يغير عبدالله من جلسته ويسرد قصته المماثلة في المضمون والمختلفة في التفاصيل وحبه الأول ويغوص بنا في تفاصيل جميلة وبدايات ملتهبة في علاقة عشق طفولية يبادل فيها العاشقان هدايا بسيطة من ورود وعلب بطاطس .. وحب يكب ويكبر ويعود في أدراج الذكريات .. فقط لأن النصيب لم يرد ذلك .. والعاقل هو المؤمن بالنصيب ..
حين توقفا .. بدأت أنا قصة حبي الأول والقصير مع فتاة قريتي العنيدة والتي صنعت منها أنا عنيدة .. حين لم تستجيب لرسالتي التي طلبت فيه من هي أجمل بنات القرية ؟ حينها لم تستجب لرسائلي الصغيرة وأسئلتي الساذجة التي علمتني أن الذكور يرمون كلماتهم وينسون تماماً أن الإناث حتى في طفولتهن كبار ويفكرون بقلوبهم ويأبون إن يشاركهم أحداً قلب من يعشقون .. إنهم مخلوقات من رقة وإحساس وغيرة فقط ..

تنتهي ليلتنا .. وما زالت صنعاء .. تحيطنا بسحرها وبهاءها ورذاذ ماءها ..

صنعــــــــــــــــــــــــــاء
حمزة الكاملي 12/3/1426هـ