لونك المفضل

المنتديات الثقافية - Powered by vBulletin
 

النتائج 1 إلى 8 من 8

الموضوع: الهجرة.. وشُعـبُ الملح

  1. #1
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية مُدنُ الملح
    تاريخ التسجيل
    06 2006
    الدولة
    المملكة - الرياض
    العمر
    46
    المشاركات
    198

    الهجرة.. وشُعـبُ الملح


    الهجرة.. وشُعـبُ الملح



    كنت ُ أنظر إلى البحر عندما كانت الطائرة تحاول الاستدارة حول مدرج الهبوط ...
    كان البحر يبدو هائجاً، قرابة ظهيرة الحادية عشرة، طيور البحر ذات اللون الأبيض، وبعض الحمائم كانت تلوح في الأفق تحتنا. عندما فـُُتحَ باب الطيارة ووضعتُ قدمي على حافة السلم شعرتُ برئتيّ تتسعان. فمنذ زمنٍ لم أشتمّ رائحة البحر، والعهدُ بهِ قيمٌ جداً. دلفتُ من الباب عبر بوابة القادمين إلى الداخل. بدأت الرطوبة ُتـُعمِلُ جسدي، وبدأت حبات العرق تتدحرجُ إلى أسفل ظهري وساقيّ.
    ركبتُ ضمن مجموعة من الركاب في سيارة واحدة.
    حدثنا سائقها أنّ الأيام القادمة ستكون ممطرة وخريفية؛ وأن الزرع سيكونُ كَثـًـا، وأنّ جميع الحقول ستـُنبتُ بالقمح والسنابل، وأنّ هذا كلَّـهُ سيكون محفوفاً بِـسـَـحِّ الأمطار، وإدرار الجبال بالسيول.
    أسعدني ما قاله هذا السائق وأحسستُ وكأنه يروجُ سلعةً أو ينفخُ فيها كي تبدو حسنة.
    كان الطريق إلى قريتنا بعيداً، ودونه الكثيرات من المنعطفات والمعارج كي أستقر.
    الجميلُ أنّ كلا جانبيّ الطريق كانت مُـعـشـبةً بالاخضرار، وحبلى بالأغنام والأبقار. وحيثُ أدرتُ بصري أجدُ ناقةً راكضةً أو عنزةً آبقةً، أو أرنباً أو أكثر تعدوا هناك.
    كان سعالُ الراكب الذي إلى جواري يزعجني وهو يدخن، وكان حريٌ بي أن أسعل ـ أناـ لا هوَ من هذه السحابة التي تخرجُ من منخريه.


    *************

    قال السائق بعد أن ران الصمت لوهلة...
    أهل القرى مساكين.. بالرغم من الخير الذي ينعمون به إلاّ أن الفقر ضجيعهم ليلَ نهار.
    عرفتُ أنه يكمنُ لموضوع آخر... فقلتُ : كل هذا من تدبير السماء..
    تحاشى ـ هو ـ هذه العبارة وقد بدت مستهلـَكة ولا تدعوا لفتح مجالٍ للحديث.. واستطرد قائلاً : لا زالت قضية الفقر مستعصية حتى على الدول الكبرى؛ ولا أظنها يوماً ستحلُ عقدتها..
    تنهدّ الذي إلى جواري وقال : سُقيـاً لأيامٍ مضت، رغيفُ خبزٍ وشربة ماء، ولا أحلى ولا أطيب منها..
    ردّ السائق المهذار : هذه أيام زمان .. إيه إيه ..
    قال آخر : هل سمعتم عن دواءٍ جديد للأنيميا ؟؟
    ردّ السائق الذي عنده علم من الكتاب ( وقد أضجرني جداً،، فهو لا يسكتُ أبداً أبداً )
    ردّ قال : نعم ... يمدحون الملح.
    فقلتُ في نفسي ( أصبحنا وأصبح الملكُ لله ... الملحُ يا ظالم، لااااا هذا السائق يبدوا عالماً بكل شيء).
    وأكمل قائلاً : لقد سمعتُ من جربهُ وأخبرني أنه قد شُفي تماماً من الأنيميا. والملح يشفي كلّ شيء، حتى أن هوام البحر التي تموت يجوز أكلها لأنها مشْبعة بالملح.
    تدحرج العرق إلى أسفل ظهري، وقلتُ : لو أنّ الملح يشفي لكان كل الناس اتجهوا إلى البحر واغترفوا منه، وما أظن هذا الكلام إلا مستحيلاً..
    لكنّ السائق أجحظ عينيه وقال ـ وقد أقسم بالله من مكانه ـ أنّ له ابن أخٍ كان يعاني من الأنيميا وقد جربّ الملح وشفي تماماً وهو اليوم كالحمار.
    فتبسمتُ وقلتُ : كالحمااااار !!
    وهل هذه فائدة أخرى للملح أن يصبح المرءُ حماراً..!


    **************

    أزفت الرحلة على الانتهاء ، ولكننا توقفنا في إحدى محطات تعبئة الوقود فدفعنا له أجرته، وهذه حيلة يحتالها سائق الأجرة كي يأخذ ماله مقدماً من الركاب... ولكن هذا حلاله ..
    ترجلتُ من السيارة عند باب الدار، ورمقتُ السائق بنظرة فاحصة تمنيتُ أن أعرف ما تحت جمجمته من أخبار. ساورني شعور بالسعادة تجاهه، فهو على الأقل يلقى في طريقه الكثير من الناس، ويسمع الأخبار المتواردة. لكنني كقصة الملح لم أسمع من قبل.. ربما كان صادقاً.
    سأحكيها لغيري أيضاً لعل الناس أن تـُشفى جميعاً.
    لكنني لا زلتُ خائفاً من أن يتحول البشرُ إلى حمير من جراء هذه التجربة..

    هــيه يا زمن ...

  2. #2
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية أبوإسماعيل
    المشرف العام
    تاريخ التسجيل
    06 2003
    الدولة
    صامطة
    المشاركات
    28,321

    مشاركة: الهجرة.. وشُعـبُ الملح

    أسعدك الله بهذه الرحلة
    وبالعودة إلى قريتك

    ونتمنى أن تسعدنا بأسلوبك الجميل

    شكرا
    يحي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  3. #3
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية النادر
    تاريخ التسجيل
    03 2006
    الدولة
    أسيرالغربة
    المشاركات
    1,070

    مشاركة: الهجرة.. وشُعـبُ الملح

    مدن الملح..حروب الملح, وشعب يسحر بالملح

    في الرواية, في نقل المشهد دونما تعقيب, او لربما دونما إقحام لذات الكاتب في تفسير او استقراء احداثه

    جمالية النقاط الثلاث التى تعقب الاسئلة, اي ذاك الصمت الذي نمنحه لمن يقرأنا كي يقدم قراءته هو لا معنانا

    نحن.

    الهجرة..وشعب الملح, تخرج عن الرسم التصويري لتحمل فكرة الكاتب, في ايحاءات ليست قريبة تفسح

    المجال امام المتخيل ليرى ما يريد, دونما وضوح او استنتاجات قائمة جلية.


    مدن الملح, اعدتنى لترديد جملة ما

    " الكاتب الحقيقي, هو من يمنح القصة عمرا فتيا متجدد دائم العطاء والتغيير"

    وكنت هنا بحق..كاتب حقيقي.


    لك من الود ما تشتهي ومن الورد ما تحب, وابقى لك دوما ذاك الصديق البعيد

    تحياتى
    الـــنــــادر

  4. #4
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية مُدنُ الملح
    تاريخ التسجيل
    06 2006
    الدولة
    المملكة - الرياض
    العمر
    46
    المشاركات
    198

    Cool مشاركة: الهجرة.. وشُعـبُ الملح

    النادر ... لقد نقلتَ كلّ شيءْ حتى الفواصل...

    لكنني اتسآئل هل حقاً تعرفني كما يعرفني من كتب هذا الرد؟؟ في منتدى آخر.؟؟

    مرحبا بك هنا ..
    " لا يستطيع أحد أن يقود أفرادًا دون أن يقوم بتوضيح المستقبل الخاص بهم "



  5. #5
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية ارجوان فهد
    تاريخ التسجيل
    06 2006
    المشاركات
    15

    مشاركة: الهجرة.. وشُعـبُ الملح

    أقتربت السماء كثيراً من الأرض ولم يعد هناك متسع للغيم او معبر للعصافير أو ممر للتنهدات...ولم يبق غير الفراغ ...الفراغ وأصوات العدم.
    استمتعت جدا يايحيى

  6. #6
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية رجل الظلام
    تاريخ التسجيل
    07 2005
    الدولة
    مع أبي في قبره
    المشاركات
    1,120

    مشاركة: الهجرة.. وشُعـبُ الملح

    أينَ أنتَ يَـا يحيى ؟

    إني أفتقِـدُ هذا البيانَ
    وتلكَ اللغة َ العذبة !

    حَـفِـظــَ اللهُ جَـمَـالا ً كــَـهَـذا نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


  7. #7
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية أبوإسماعيل
    المشرف العام
    تاريخ التسجيل
    06 2003
    الدولة
    صامطة
    المشاركات
    28,321

    رد: الهجرة.. وشُعـبُ الملح

    حقا

    أين أنت يا يحيى

    شكرا لرجل الظلام

    فقد أنعشنا من جديد
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  8. #8
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية ديوانك وطني
    تاريخ التسجيل
    10 2004
    الدولة
    الحجاز
    المشاركات
    9,432

    رد: الهجرة.. وشُعـبُ الملح

    الملح ..

    مخلوق بلا جذور .. وإن نسبوا إليه المعجزات ..

    على أطرافه تتضخم كيانات مصطنعة .. تشبه الحقيقة ..

    لكنها تذوب وتفنى في أول قطرة ماء ..

    ونعجز نحن عن التمييز بين النعمة والنقمة ..

    المبدع يحيى دوم ..

    استمتعت كثيرا بقراءتك هنا ..

    تحية و ود ..

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •