من يطمع في كل ما يراه ويتطلع الى ما عند غيره من النعم ويلازمه الشقاء ولا يكاد يشعر بشء من الراحة حتى يعاوده الشعور بالنقص والغم والحرمان والطماع المفرط في الانانية بالضرورة وحاقد على نفسه وعلى الناس جميعا وهذه مفارقة عجيبة : انه يعالي في حب ذاته ويحقد عليها في نفس الوقت ان شعوره بالحرمان والإحباط يتفاقم حين يعجز عن تحقيق اطاعه فتختلط مشاعره وتضطرب وتلتهب كرها ونقمة على كل ذي نعمة حتى
لتحدوه رغبة عارمة برؤية العالم كله وقد عمه البؤس والدمار.
وتبرز هنا اهمية القناعة التي تبعث على الشعور بالرضا والاكتفاء والسعادة بما يصيبه الانسان من الدنيا وان كان قليلا محدودا وهذا الشعور لا يحد من الطموح الى الافضل ولا يعيق ولادة الامال ولا يحول البتة بين الانسان والسعي الى تحسين احواله والنهوض بواقعه وانما على العكس من ذلك تماما فإن القناعة توفر الاجواء المادية والنفسية المناسبة للعمل الجاد المثمر على الارتقاء والتقدم.. وبين الطمع والطموح فرق كبير لا تدده الا الققناعة فهي المعيار الذي يمكن التمييز بموجبه بين الطمع والطموح فالقناعة قبول بالواقع وليس الثبات عليه والرضا به مع الرغبة في إحداث تغيير فيه ودفعه الى الافضل والاكثر كمالا
وهذا هو الطموح اما الطمع فاسير لمشاعر سلبية هدامة لا يكاد يتجاوزها الى اي عمل ايجابي فاعل وهذا هو الكسل والقعود بينما الطموح اندفاع للتصالح والتالف مو الوجود بكونه وكائناته والامتلاء من نعماه وشغف بالوصول الى اعلى درجة من الاتحاد فيه والتكامل معه فان الطمع موقف عدائي من هذا الوجود ورفض له واستبعاده وانفصال تام عنه واندفاع محموم الى التفرد في امتلاكه او النقمة عليه ونفيه وتدميره .
وإذا كان حب الدنيا والتعلق بها عامل مشترك بين الطمع والطموح فان القناعة تضبط حركة الطموح وترعاه
وتوجهه وتسدده وتوجه مساره الانساني وتكون له الضمان الحاسم من ان ينحرف في اتجاه الطمع البغيض الذي يظل منفلتا لا ضابط له هائما لاحد معين ينتهي إليه ....فهل نحن من يمتلكون القناعة التي تبعدهم عن الطمع الى الطموح والرقي بانفسنا ومجتمعنا ؟؟؟
يجب ان نملكها لنصلح جزء من حالنا