- إذا تربى المسلم على التقوى وعوّد نفسه عليها كانت سجيته في أعماله كلها
- التزام المسلمين بالصيام والإفطار في وقت واحد تعويد للأمة على النظام والاتحاد
- الصوم في رمضان تنمية لعاطفة الرحمة والإحسان بين الناس
د. إبراهيم الخضيري:
من لم يحافظ على فرائض الله ولا يبتعد عن الأخلاق الذميمة فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه
الشيخ ناصر العبيد:
- الوصول إلى معالي الأمور لن يكون إلا على جسور الصبر والتعب ورمضان شهر يعلمنا الصبر
- نحن أمة عيشنا ليس للدنيا ولكن للآخرة
هلّ على المسلمين شهر رمضان المبارك، شهر الصيام والقيام، شهر تتنزل فيه الرحمات والنفحات، شهر أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدي والفرقان. في هذا الشهر الكريم يتوجب على المسلم المثابرة والاجتهاد في أعمال الخير والطاعة والاجتناب والابتعاد عن المعاصي والسيئات التي تعكر وتفسد صومه. في التحقيق التالي نستضيف بعض المشايخ الذين تحدثوا عن فضائل الشهر وما يجب على المسلم الالتزام والأخذ به وما المطلوب منه اجتنابه والابتعاد عنه.
فوائد وثمار
فضيلة الدكتورصالح بن عبد الكريم الزيد قاضي التمييز في محكمة التمييز بالرياض يقول: لكل عبادة أدب وآداب، وآداب العبادة، هي سر صلاحها، وقبولها عند الله، فالعبادات كلها، لا تقبل إلا إذا كانت خالصة لله تعالى، موافقة لما جاء عن رسوله صلى الله عليه وسلم ولكن لكل عبادة آداباً خاصة بها، فآداب شهادة ألا إله إلا الله، إخلاصها لله تعالى، ومطابقة القلب لنطق اللسان، وآداب الصلاة الخشوع فيها والخضوع لله رب العالمين، وآداب الزكاة التواضع لمستحقيها، وكف المنّ والأذى عنهم عند إعطائهم وآداب الحج خلوه من الرفث والفسوق والجدال، وآداب المعاملات كلها السماحة والتيسير فيها، يقول صلى الله عليه وسلم: (رحم الله امرأ سمحاً إذا باع، سمحاً إذا اشترى، سمحاً إذا قضى، سمحاً إذا اقتضى). أما الصيام، فله آداب كثيرة، ينبغي للصائم أن يتقي الله، ويحرص على التحلي بها، لأن فيها طاعة ربه، وحفظ صيامه، وزيادة أجوره وحسناته. فمن آداب الصيام: إخلاص النية لله تعالى في الصيام، واحتساب الأجر، والمحافظة على الصلوات الخمس، في أوقاتها مع الجماعة، والإكثار من النوافل، والمداومة على صلاة التراويح والتهجد مع الإمام، وعدم الانصراف منها قبل أن ينصرف الإمام. ومن آدابه: اقتفاء أثر الرسول صلى الله عليه وسلم في الجود والبذل والإحسان، في هذا الشهر الكريم، وخصوصا في وقتنا هذا، الذي كثر فيه المحتاجون، من إخواننا المسلمين المجاهدين والمهاجرين والمعذبين في كل مكان، وأنعم الله علينا فيه بالصحة والإيمان، والأمن والأمان، ووفرة المال ولم يبق لنا حاجة إلا في عفو الله ورحمته، وجوده وإحسانه، وفي الصحيحين: كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل- وعند أحمد- رضي الله عنه-: وكان لا يسأل عن شيء إلا أعطاه. ومن آدابه: المداومة على قراءة القرآن ومدارسته، وتعلمه وتعليمه، ونشر علومه بين الناس، فقد كان صلى الله عليه وسلم يكثر من تلاوة القرآن الكريم في رمضان، وكان جبريل- عليه السلام- يدارسه القرآن في رمضان. وأيضاً أن يحفظ المسلم صيامه عن الفساد، ويحفظ جوارحه عن أن تجرح الصيام، فيحفظ لسانه عن القبيح من الكلام، كاللغو والفسوق والرفث والشتم والغيبة والنميمة والكذب، ويحفظ أذنه عن استماع المحرمات، ويحفظ عينه عن النظر إلى الحرام. ولا يظن أن الصيام هو ترك الطعام والشراب فقط، فإن أهون الصيام: ترك الطعام والشراب، فالتقرب إلى الله بترك المباحات لا يكمل إلا بعد التقرب إلى الله بترك المحرمات، فمن ارتكب المحرمات، ثم تقرب إلى الله بترك المباحات، كان بمثابة من يترك الفرائض، ويتقرب إلى الله بالنوافل. ويقول صلى الله عليه وسلم: "من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه". ويقول صلى الله عليه وسلم: "رب صائم حاله من صيامه الجوع والعطش، ورب قائم حظه من قيامه السهر" ويقول صلى الله عليه وسلم: "الصيام جنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، وإن سابه أحد أو قاتله، فليقل: إني صائم" قال جابر- رضي الله عنه-: إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم، ودع أذى الجار، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صومك، ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء. وليعلم كل مسلم، أن من التزم بآداب الصيام، وفضائل رمضان، اعتادت نفسه عليها، وكانت سجية له بعد رمضان. والصيام عبادة لله تعالى، كغيره من العبادات المشروعة، بنص الكتاب والسنّة، وإجماع الأمة، وشرعيتها على هذا النحو، يقتضي القيام بها على نحو ما وردت، تعبداً لله تعالى، وطاعة له، دون السؤال عن فوائدها، أو حكمة تشريعها. وإذا اجتهد أحد من العلماء، في بيان حكمة الصيام أو فوائده، فلا يعني ذلك، أن تشريع هذه العبادة، يتوقف على وجود هذه الفائدة، أو تلك الحكمة، بل الأمر بالعبادة أمر تعبدي بحت، لا علاقة له بالحكمة ولا بالفائدة. ولكن مع ذلك، قد ذكر العلماء -رحمهم الله تعالى- للصيام فوائد دينية واجتماعية وصحية، تساعد معرفتها المسلم على أداء هذه العبادة بنية صالحة، ونفس مقبلة، وقلب مطمئن. فمن فوائد الصيام الدينية: ما ذكره الله تعالى في كتابه العزيز، حيث قال{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (183) سورة البقرة. ففي الصيام تربية للنفس على ملكة التقوى، التي هي العفة البارزة في الصيام، وإذا تربى المسلم على التقوى - التي هي طاعة الله ورسـولـه بفعل ما أمر به، وترك ما نهي عنه - وعوّد نفسه عليها كانت سجيته في أعماله كلها، فسعد في دنياه وآخرته. والصيام، يعوّد المسلم على الصبر، ويقويه عليه، ويعلمه ضبط النفس، ويساعده عليه، قال صلى الله عليه وسلم: "الصيام نصف الصبر"، وقال الله تعالى في الصابرين: { إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10]، إن الصيام يطهر النفس من الأخلاق السيئة، والصفات الذميمة، ويزكيها ويهذبها، فمثلاً، إحساس الصائم بالجوع، وأمره بالإنفاق في رمضان، يقوي لديه شكر المنعم، والرغبة في الجود والكرم، ويضعف لديه صفة الشح والبخل. وفي أمر الصائم بالإعراض عمن سابه أو قاتله، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: "فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني صائم" في ذلك تعويد للنفس على الحلم والصبر، ومجاهدة النفس، فيما يرضي الله تعالى، ويقرب إليه. إن الصيام يضيق مجاري الدم، التي هي مجاري الشيطان من ابن آدم، فإن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، فبالصيام تنكسر سورة الشيطان، وسورة الشهوة والغضب. وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك، وذكر أن الصيام وجاء للشباب الذين لم يستطيعوا مئونة النكاح، وقاطع لما جبلهم الله عليه من الشهوة الغريزية، وفي ذلك صيانة لهم من الأخلاق الرذيلة والفساد. ومن فوائد الصيام الصحية الظاهرة أن في الصيام تنظيفاً للأمعاء والمعدة من سموم الأطعمة والأشربة، وتطهيراً للبدن من فضلات الأغذية، ورواسبها القاتلة، وتخفيفاً لوطأة السمنة، وقد قال صلى الله عليه وسلم في الحديث: "صوموا تصحوا" ومن فوائده الاجتماعية، أن في التزام المسلمين بالصيام في وقت واحد، والإفطار في وقت واحد، تعويداً للأمة على النظام والاتحاد، وفي وجوبه على جميعهم، غنيهم وفقيرهم، رئيسهم ومرؤوسهم، إظهـاراً للعدل والمساواة بين الناس، وتنمية لعاطفة الرحمة والإحسان بين المسلمين. وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
مدرسة الثلاثين يوماً
فضيلة الشيخ الدكتور إبراهيم بن صالح الخضيري قاضي التمييز في محكمة التمييز بالرياض أوضح أن شهر رمضان هو مدرسة الثلاثين يوما التي أثنى الله عليها في القرآن الكريم وفي سنّة النبي صلى الله عليه وسلم أما في كتاب الله تعالى فقال سبحانه: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ } [البقرة: 185]، وأما في السنّة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتاكم شهر رمضان شهر عظيم مبارك أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار" ولا ريب أن شهر رمضان تصفد فيه مردة الشياطين فلا يخلصون إلى ما كانوا يخلصون إليه قبل رمضان ولذلك نلحظ الشياطين قسمين: قسم هم مردة الشياطين من الجن، فهؤلاء لا يصلون إلى ما كانوا يصلون إليه كما أخبر الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ولذلك أسكن ما تكون النفس في رمضان وأعظم ما يكون العلاج القرآني وأثره في رمضان وأكثر ما يكون بإذن الله شفاء الأمراض النفسية، بل وبعض الأمراض المستعصية الفكرية تزول في رمضان المبارك فكم قرأنا وسمعنا ان داعيا دعا الله في ليالي رمضان خاشعا خاضعا متذللا فاستجاب الله له فأطلق الله لسانه أو أطلق إعاقته أو نجاه الله فيما هو فيه.
وأضاف د. الخضيري: إن شهر رمضان شهر الخير والإحسان ولذلك في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم: "أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن" وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أجود من الريح المرسلة" وشهر رمضان مدرسة الثلاثين يوما تستهل بذكر الله عزّ وجلّ والصيام حين يستغفر المسلم ربه في السحر يقول الله تعالى: {وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } [الذاريات: 18] ويقول سبحانه: { وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ} [آل عمران: 17]. ويخبر النبي صلى الله عليه وسلم "إن ربنا ينزل كل ليلة في الثلث الأخير من كل ليلة فيقول هل من داع فاستجيب له؟ هل من تائب فأتوب عليه؟ هل من سائل فأعطيه سؤله؟ هل من مستغفر فأغفر له ذنبه"، فيجب المحافظة على فرائض الله لأن من لم يحافظ على فرائض الله ولا يبتعد عن الأخلاق الذميمة فليس لله حاجة ان يدع طعامه وشرابه يقول الله جلَّ وعلا في الحديث القدسي: "الصوم لي وأنا أجزي به يدع طعامه وشرابه من أجلي.. للصائم فرحتان فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه ثم يقول عليه الصلاة وال"من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه" "ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه"
شهر الرحمة والصبر
وأردف الخضيري يقول فتعس عبد ورغم أنفه ان خرج رمضان ولم يغفر له وقد قال: جبريل آمين فنحن ومحمد نقول آمين ونحن نقول آمين ولذلك جاء شهر الرحمة والمسكنة شهر الصبر شهر الفقراء واليتامى والمساكين واستهلت أيامه بذكر الله ثم بعد ذلك يستهل بداية التعبد بأكلة السحر الغذاء المبارك كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم.: "فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر" ثم يصلي الفجر مع الجماعة مسبحاً مهللاً مستغفراً صائماً ثم يستمر في صيامه بأن يحافظ على فرائض الله وأعمال الخير حتى يأتي وقت الإفطار فيكون أعجل الناس فطراً ليتأسى بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي قال: "نعم سحور المؤمن التمر" وكان يفطر على تمرات وترا فيفطر صلى الله عليه وسلم على عدة تمرات وكل هذا من أجل أن يشرع لأمته، فنحن نلحظ أن شهر رمضان هو شهر الصيام وشهر الخير وشهر البركة وشهر العطاء وهو شهر تتنزل فيه الرحمات ويجود فيه ربنا سبحانه وتعالى على عباده ويكرمهم إكراما عظيما ينفع الله به أمته ويرفع فضيلته بهذه المناسبة الطيبة تهنئته بالشهر قائلاً: أهنئ خادم الحرمين الشريفين وحكومته الرشيدة المباركة ووفق الله الجميع ثم أهنئ الشعب السعودي المسلم الأبي والأمة الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها أهنئهم جميعا بدخول هذا الشهر العظيم وأسأل الله أن يهله علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام وان يسلم لنا رمضان ويتسلمه منا متقبلاً وإن يقبل منا صيامه وقيامه وأن يرزقنا فيه قيام ليلة القدر على الوجه الذي يرضى الله تعالى.
اختلاف الناس
ويقول فضيلة الشيخ ناصر العبيد الداعية المعروف: من الناس من تراه عاقلا حكيما في كل شؤون حياته. فترى منه سواءأ كان رجلاً أو امرأة من حكمة بالغة في اغتنام لحظات العمر، ومن الناس من تراه حكيما في أمور دنياه عديما هزيلا في أمور دينه لا يقدم ولا يؤخر، ومنهم بعد ذلك من يكون رعاعاً همجاً لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء بين إفراط وتفريط. وأضاف الشيخ العبيد: بيد ان العبد المؤمن الذي سابق لفعل الخيرات الكثيرة من صلاة وصيام وحج وغيره يحتاج بين وقت وآخر إلى ان ينبه من كل غفلة قد تواجهه بل وينبه من كل عصب في العبادات قد يخالجه، وهو ما قد تراه في البعض من الناس برغم خبراتهم. فمن الناس وللأسف من يظن ان رمضان مجرد صيام ولذلك يكون يومه في الغالب صياماً ونوماً وفي آخر الليل سهر وتفريط وتسويف، ومنهم من يصوم ويجتهد في صلاة التراويح ومع ذلك يفوته في كل يوم ما لا يقل عن فريضة مكتوبة لنوم أيضا أو انشغال ليس في محله. ومنهم من تراه يعد العدة في هذا الشهر لبرامج كثيرة من أمور الحياة ولم يفكر مرة في إعداد العدة لهذا الشهر الكريم قولاً وعملاً. وعليه هناك كلام لن يفهم كنهه إلا من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد. وأشار الشيخ إلى أن هذا الكلام يتلخص في الآتي: كيف لا ينشرح صدر العباد لشهر حوى الكثير والكثير من الفضائل وعلى رأسها العتق من النار وتلك الطموحات لكل ملل البشر. كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعظم هذا الشهر ويبشر أصحابه. ولن يبشرهم إلا بما يعلم صلى الله عليه وسلم إنه خير كل الخير، على كل عاقل أن يؤدب نفسه في هذا الشهر عن الفوضوية التي يعيشها لأجل ألا يتحسر بعد فوات الشهر على تفريطه الذي كان. جميل أن ترى الناس يسابقون إلى كل أنواع الخيرات. وليكن هذا دأبنا جميعاً. ولكن علينا إلا نضيعه بكثرة السيئات التي لا نشعر بها، من كانت عنده مصلحة لأخيه، أو خصومه، أو حاجة. فالله الله أن يكون هذا الشهر له دواء عما به من داء، وليغلب نفسه والشيطان، الوصول إلى معالي الأمور لن يكون إلا على جسور التعب والشهر شهر الصبر. فالصبر على طاعات الله كلها. ولنصطبر عن معاصيه علنا أن نكون من الفائزين، الإيمان والاحتساب جعلهما رسول الله شرطاً لغفران الذنب فلا تكن عبادتنا عادة ولكن لتكن عبادة نجمع فيها بين الرجاء والخوف. الرجاء أن تقبل والخوف من أن ترد علينا، الحساب في هذا الشهر يختلف على الطاعات من حيث الأجر والحسنة مضاعفة أضعافا كثيرة. فمن هو المحروم الذي سيبقى كما كان في أعماله لا يضفي لرصيده خيراً، رسالة الرسول لكل عاقل كانت رايتها: يا باغي الخير اقبل ويا باغي الشر أقصر. فلنقصر جوارحنا من سمع وبصر وغيرهما عن أنواع الحرام كلها. ومن لم ينته عن ذلك. فالثمن والله عظيم. وختم الشيخ العبيد يقول: علمنا من أنفسنا تقصيراً عظيماً في السنوات السابقة في مثل هذا الشهر وأمد الله في أعمارنا لهذا الشهر مرة أخرى ونحن بعافية الإسلام والأبدان. فالله الله أن نبادر بالعوض فإنا أمة عيشنا ليس للدنيا ولكن للآخرة. والسوق الآن قائمة والثمن موجود. والدين يسير ولن يشاد أحد الدين إلا غلبه. فسددوا وقاربوا وجاهدوا هذه النفوس العصية كل حسب استطاعته. والله لا يضيع أجر من أحسن عملاً.
شهر عظيم
وشهر رمضان شهر عظيم يتنافس فيه المسلمون بأنواع الطاعات طلباً لرضا الله عزّ وجلّ واغتناماً للفرصة، فمن فاته الخير في هذا الشهر فاته الخير كله وإذا نظرنا إلى أحوال الناس في هذا الشهر المبارك نجد لدى عدد ليس بالقليل منهم لديهم جد وحماس منقطع النظير في بداية الشهر من حضور لصلاة التراويح ومسابقة في أعمال البر، ثم بعد مضي عدد من أيام الشهر نلحظ لديهم فتوراً في هذه الأعمال وهذا من التفريط والحرمان في نفس الوقت عن معرفة أحوال الناس في هذا الشهر الكريم .
الاجتهادفي رمضان
الشيخ د. سعيد بن غليفص القحطاني إمام وخطيب جامع التويجري بالرياض ومدرس العلوم الشرعية في إدارة التربية والتعليم بالرياض قال:
الحمد لله الذي يوفق من يشاء لطاعته والصلاة والسلام على خير من صلى وصام وقام وعلى آله وصحبه الكرام وبعد: فإن المرء إذا رأى أنه يُوفق لطاعة الله وتحبب إلى قلبه ويعان عليها وتكره إلى نفسه الفواحش والمعاصي ويصرف عنها، فإن ذلك من علامة محبة الله له، وهذا يحدو الإنسان أن يتقرب إلى الله بطاعته ويبتعد عن معصيته ويجعله يتنافس في ذلك ويستغل مواسم الخيرات كموسم الصيام والقيام، حيث إن الموفق من وفقه الله والمحروم من حُرم.
ومما يعلم في هذا المقام أن الدنيا مزرعة الأعمال الصالحة وبهذه المزية فقط تفضل الآخرة، والنبي عليه الصلاة والسلام كان يجتهد في رمضان ما لا يجتهد في غيره ولا سيما في العشر الأواخر منه، وكذلك السلف الصالح كانوا ينهلون من موسم الصيام والقيام ما يكون عوناً لهم على طاعة الله بقية العام.
الكسل بعد النشاط
ونجد في المقابل أن هناك البعض من الناس ينشط في أول الشهر ويصيبه الكسل في آخره مع أن العبرة بالخواتيم، والإمام أحمد - يرحمه الله - قال: بئس القوم الذين لا يعرفون الله إلا في رمضان، ونجد أن هناك من يغفل عن ربه في رمضان وبقية العام وهذا الصنف من الناس ممن حُرموا من الخير والتوفيق والعياذ بالله فحري بالمؤمن والمؤمنة على حد سواء أن يصوم صيام مودع ويشعر نفسه بأنه ربما لا تعود له الفرصة مرة أخرى، وليعلم أنه لن يقوم أحد من الناس بالعمل عنه بعد موته، ويقول الناظم:
يا ذا الذي ما كفاه الذنب في رجب
حتى عصا ربه في شهر شعبان
لقد أظلك شهر الصوم بعدهما
فلا تصيره أيضاً شهر عصيان
احرص على الوقت
ثم تحدث الشيخ سالم بن مبارك المحارفي الداعية و الموجه التربوي فقال: وحينما منّ الله علينا بإدراك شهر رمضان المبارك يتوجب على المسلم الحصيف بعد الحمد والشكر أن مدّ في عمره وأدرك هذه الرحمات والنفحات الربانية الرمضانية، أن يجد ويجتهد غايته، ويبذل في طلب الحسنات طاقته، ولا يفوت على نفسه وقتاً ولو قليلاً في غير نفع، أو في غير عمل يجلب له من الحسنات أكبرها، ومن الطاعات أجملها، ومن العبادات أخشعها وأخلصها.
عمرك قصير
إن المرء ذو عمر قصير، فإذا سنحت له فرصة العمل فيه يتضاعف أضعافاً كثيرة تختصر له الزمن، شهر يعدل عمل سنة، فاغتنمه . { إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}إذ لا ضمان للمرء بإدراك رمضان آخر، أو زمان آخر غير الذي هو فيه.
والذي يؤكد هذا المعنى قول الرب تبارك وتعالى في آيات الصيام {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} ، {وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ }
أين أصحاب العقول والفطنة؟!
قليلات قصيرات ثم ينقضين ويذهب خير هذه الأيام وبرها، فضلها وإحسانها، فمن أوتي عقلاً وفطنة، وهداه الله وهو الهادي إلى سواء السبيل فاهتبلها، وشمر عن سواعد الجد واغتنمها، ونفض يده من هوى النفس وقمعها، وشهوات البطن والفرج وحفظها، وجانب الاختلاط بالناس إلا في خير يقربه للدار الآخرة، يزيد في إيمانه، ويرفع درجاته، فحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، وتذكر الموت والبلى، فهو الرابح الفائز، ومن فرط في هذه الفرصة الربانية الرمضانية، فلا يلومن إلا نفسه، وهو في الآخرة من النادمين.
عن مالك بن الحسن بن مالك بن الحويرث عن أبيه عن جده قال صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر فلما رقي عتبة قال آمين ثم رقي عتبة أخرى فقال آمين ثم رقي عتبة ثالثة فقال آمين ثم قال أتاني جبريل فقال يا محمد من أدرك رمضان فلم يغفر له فأبعده الله قلت آمين قال ومن أدرك والديه أو أحدهما فدخل النار فأبعده الله قلت آمين فقال ومن ذكرت عنده فلم يصل عليك فأبعده الله قل آمين فقلت آمين" رواه ابن حبان في صحيحه، وعند الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي ورغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له ورغم أنف رجل أدرك عنده أبواه الكبر فلم يدخلاه الجنة" قال عبدالرحمن "أظنه قال أو أحدهما"
العتقاء من النار
ومن فضائل هذا الشهر ما ذكره النبي عليه الصلاة والسلام عن أبي هريرة رضي الله عنه أو عن أبي سعيد هو شك يعني الأعمش قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لله عتقاء في كل يوم وليلة لكل عبد منهم دعوة مستجابة" رواه الإمام أحمد.
فهل هناك إنسان مؤمن بالله واليوم الآخر يسمع بهذا الحديث ثم لا يعمل به؟ فهلم يا إخواني نجتهد في هذا الشهر العظيم علّنا نكون من العتقاء من النار.