قال تعالى : {فذرني ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث لايعلمون(44) وأملي لهم إن كيدي متين(45) }
تفسير ابن كثير:
{فذرني ومن يكذب بهذا الحديث }أي دعني وإياه أنا أعلم به منه كيف أستدرجه وأمده في غيه وأنظره ثم آخذه أخذ عزيز مقتدر.
{ سنستدرجهم من حيث لايعلمون }
وهم لايشعرون ويعتقدون ان ذلك كرامة ولهم وهو في حقيقة الأمر إهانة .
{ وأملي لهم إن كيدي متين }
أؤخرهم وأمدهم وذلك من كيدي ومكري .
وفي حديث النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال "إذا رأيت الله يعطي العبد
ما يحب وهو مقيم على معاصيه فإنما ذلك منه له استدراج
ثم نزع بهذه الآية { فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين } الراوي: عقبة بن عامر الجهني المحدث: الهيثمي - المصدر: مجمع الزوائد - الصفحة أو الرقم: 10/248
ما أظلم من قرأ هذا ولم تدمع عيناه وما أقسى قلبه،
قال المناوي في "فيض القدير بشرح الجامع الصغير":
(من الدنيا) أي من زهرتها وزينتها.
(ما يحبه) أي العبد من نحو مال وولد وجاه.
(على معاصيه) أي عاكف عليها ملازم لها.
(استدراج) أي أخذ بتدريج واستنزال من درجة إلى أخرى،
فكلما فعل معصية قابلها بنعمة وأنساه الاستغفار فيدنيه من العذاب قليلاً قليلاً ثم يصبه عليه صباً.
قال تعالى { فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ }.
قال إمام الحرمين: إذا سمعت بحال الكفار وخلودهم في النار فلا تأمن على نفسك فإن الأمر على خطر،
فلا تدري ماذا يكون وما سبق لك في الغيب، ولا تغتر بصفاء الأوقات فإن تحتها غوامض الآفات.
وقال علي كرم الله وجهه: "كم من مستدرج بالإحسان وكم من مفتون بحسن القول فيه. وكم من مغرور بالستر عليه"
وقيل لذي النون: ما أقصى ما يخدع به العبد؟ قال: بالألطاف والكرامات
{سنستدرجهم من حيث لا يعلمون}.
***************
باب قول الله تعالى: أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إلا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ .
وعن ابن مسعود -رضي الله عنه - قال: "أكبر الكبائر الإشراك بالله،
والأمن من مكر الله، والقنوط من رحمة الله، واليأس من روح الله" رواه عبد الرزاق.
ومعنى هذه الصفة أنه -جل وعلا- يستدرج للعبد، و يملي له حتى إذا أخذه لم يفلته ييسر له الأمور
حتى يظن أنه في مأمن غاية المأمن، فيكون ذلك استدراجا في حقه، كما قال النبي
-عليه الصلاة والسلام-: "إذا رأيتم الله يعطي العبد وهو مقيم على معاصيه، فاعلموا أن ذلك استدراج" وهذا ظاهر من معنى المكر؛ لأن في معنى المكر والكيد وأمثالهما معنى الاستدراج، لا ترادف في اللغة، بل هناك فروق بين المكر والاستدراج، والكيد والاستدراج، ونحو ذلك، لكن نقول هذا من جهة التقريب، فالمكر فيه استدراج، وفيه زيادة أيضا على الاستدراج حتى يكون قلب ذلك المستدرج آمنا من كل جهة.
واستدراجه بما يحب حتى يفرح ويغتر، ثم يأتيه عقاب الله على حين غفلة.
نسأل الله العافية، وأعاذنا أرحم الراحمين وإياكم من الاستدراج .