في گتب الشيخ أ.د. ناصر العقل موضحاً عدداً من المسائل العقدية :أهل السنّة وتاريخهم..



لقد اهتم سلف هذه الأمة منذ عهدها الأول عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ومن سار على نهجهم- اهتموا بسلامة هذه العقيدة وإزالة الشوائب عنها والسعي الحثيث لتصحيحها ورد شبه المضللين وأباطيل المحرفين وتحملوا في سبيل ذلك الكثير دفاعاً عن هذه العقيدة وحراسة لها. فألفوا الكتب والرسائل وصنفوا التصانيف دفاعاً عن حياض هذه العقيدة.
ولا ريب أن أعداء هذه العقيدة السلفية حاربوها ونابذوا أهلها العداء واختلقوا الشبه والأباطيل لصرف الناس وصدهم عن الدين القويم.
وفي هذا العدد نلتقي فضيلة الشيخ أ.د. ناصر بن عبد الكريم العقل "أستاذ العقيدة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية" الذي رد على كثير من شبه هؤلاء المضللين وكشف زيفها وأبان تهافتها:




مصطلح العقيدة
* سعياً من أهل الأهواء للنيل من أهل المنهج الصحيح قالوا ، إن مصطلح العقيدة مصطلح بدعي ما رأي فضيلتكم؟
- نعم، زعموا أن مصطلح العقيدة بدعي؛ ومعلوم أن المصطلحات لا مشاحة فيها، وأن مصطلح العقيدة مصطلح صحيح أصبح له مفهوم عند العلماء والباحثين قديماً وحديثاً، وليس هنا ما يمنع من إطلاقه في اللغة والشرع، ودعوى أنه بدعة جهل بأصول البدعة وضوابطها.
لأنه من مصطلحات العلوم: كالتفسير، والحديث، وعلومها، والفقه، وأصول الفقه، والأدب .. إلخ، فإن غالبها مصطلحات استحدثت للدلالة على مضامينها، فهي من باب الوسائل والأساليب الاجتهادية، والتقسيمات العلمية، ولا تدخل في ضابط البدعة، لأن البدعة إنما تكون في الدين لا في الوسائل والمصطلحات، والعبرة بالمضامين لا بالمصطلحات.
ولذلك كان السلف يطلقون على أصول الدين: الإيمان، والإسلام، والدين، والسنة، والأثر، والعقيدة، وقد اتفقت الأمة على صحة هذه المصطلحات وليس فيها ما يُشكل، فبعضها شرعي المنشأ، وبعضها اصطلح عليه وليس في الشرع ما ينفيه، لأنه ليس على قاعدة البدع، ومن ذلك مصطلح العقيدة.. والله أعلم. والعبرة بالمضامين، وعلى أقل الأحوال هو من المختلف فيه، ولو ثبت شرعاً أنه بدعي تركناه!
كما أن مصطلح العقيدة كان معروفاً في القرون الفاضلة وبُعيدها، وقد نشأ مواكباً لنشأة العلوم الشرعية الأخرى المستمدة من الكتاب والسنة؛ كالتفسير وعلوم القرآن وعلوم الحديث، فقد ورد استعمال هذا الاصطلاح من قبل جماعة من الأئمة الأعلام؛ كأبي ثور وأبي حاتم وأبي زرعة وابن جرير الطبري.



سبب الفرقة
* يرى أهل الأهواء أن كتب العقائد هي سبب تفرّق المسلمين كيف ترد عليهم؟
- الحقيقة أن الأهواء والبدع ومصنفاتها هي سبب تفرّق المسلمين؛ فهم زعموا أن كتب العقائد هي سبب تفرّق المسلمين، وأنها سبب لنكسات المسلمين التاريخية. وهذا من جانب حق، وهو أن افتراق المسلمين وخروج طوائف منهم عن نهج السنة والجماعة سبب للفرقة، والفرقة سبب للهزائم والنكسات، وهذا معلوم من الدين بالضرورة، وقد أخبر الله عنه وحذر منه: {وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ }(46)$ {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَراً وَرِئَاء النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَاللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ }(47){وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَاءتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ إِنِّيَ أَخَافُ اللّهَ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ }الأنفال48 ، وأخبره به رسول الله صلى الله عليه وسلم وحذر منه. لكن الذم إنما يكون للمفارق، وهم أهل الأهواء والسبل، لا للمتمسك بالحق والسنة، وهم السلف الصالح أهل السنة الذين أخذوا بأسباب العزة والنصرة والتمكين وهو الاعتصام بحبل الله. أما كتب العقائد الخارجة عن السنة وهي كتب أهل الأهواء فهي قد رسخت الفرقة وأسهمت في حدوث النكسات على الأمة. بخلاف كتب السلف التي تمثل دين الله الذي يأمر بالجماعة والطاعة، وينهى عن الفرقة والخروج والقعود. فمن الذي أشغل الأمة بالكلاميات، والفلسفات والمجادلات، والكلام الفارغ، وحشا المؤلفات بالمغالطات والشبهات والأوهام؟ فالحق إنما احتوت عليه مضامين كتب السلف، وذلك من أسباب العزة والنصر. والباطل إنما احتوت عليه مضامين كتب أهل الأهواء، وذلك من أسباب الذل والهوان.



* هناك أخطاء وزلات تحصل من بعض المنتسبين إلى أهل السنة والجماعة فهل تعد من منهجهم؟
- قد يحدث من بعض أهل السنة والمنتسبين إليهم من العلماء والعامة أخطاء وزلات عقدية وغيرها، وهذا من طبع البشر فليس معصوماً إلا الرسول صلى الله عليه وسلم. وهذه الأخطاء والزلات ليست محسوبة على المنهج الشرعي، منهج أهل السنة والجماعة، والسلف الصالح. وقد زعم بعض المفتونين من المعاصرين، أن أهل السنة والجماعة ـ السلف الصالح وقد يسميهم (الحنابلة) ـ يقوم منهجهم على أمور، هم على خلافها، كالنصب والجبر والتكفير والغلو والتعصب، والاعتماد على الموضوعات والضعيف من المرويات، والأهواء، وعدم الفهم، وردود الأفعال، والاستعداء ضد المخالف، وإرهابه، ونحو ذلك مما زعمه بعض الموتورين وأهل الأهواء ـ قديماً وحديثاً ـ والمنصف يدرك بداهة أن هذا من الجهل أو التحامل والهوى. فإن أفراد أهل السنة والجماعة (من عامة، وعلماء، وولاة)، قد يحدث من أحدهم أخطاء ومظالم وتجاوزات وبدع وزلات، وقد يكون ذلك عن هوى، أو اجتهاد خاطئ أو زلل، أو تأويل سائغ، أو غير سائغ من بعض من يحدث منهم ذلك. لكن من المعلوم بالضرورة أنه ليس على ذلك منهجهم وعقيدتهم، وليس كلهم على ذلك، بل العكس، فهم لا يجيزون ذلك، ولا يقرون الخطأ والزلة، ولا يتابعون المخطئ، ولا يقتدون به في زلته. فالأصل عندهم الكتاب والسنة، (باعتماد الدليل ليس غير)، والأصل في أهل السنة: الحق والعدل والخيرية والاستقامة، وما يقع من أفرادهم من الخروج على الحق ينكرونه ولا يقرونه، وهو قليل نادر ـ بحمد الله ـ وهو على غير منهجهم. وهذا بخلاف أهل الأهواء فإن مناهجهم تقوم على الابتداع والظلم والعدوان والهوى، وقد يحدث منهم أو من بعض أفرادهم ما يوافق الحق والدليل، لكن الحق الذي يصدر عن أهل الأهواء ـ غالباً ـ يكون متلبساً بالباطل، ولا ينفردون به عن أهل السنة، بل يكون عند أهل السنة من الحق والهدى ما لا لبس فيه.



كتب السلف
* من الملاحظ على أهل الأهواء أياً كان مشربهم: التحامل على السلف وكتبهم ومنهجهم ما رأي فضيلتكم بهذا المنهج؟
- من منهج أهل الأهواء التحامل على كتب السلف والتشكيك في منهجهم والطعن في عملهم، ونجد هذا المنحى واضحاً عند بعض المعاصرين من أهل الأهواء، حين جعل كتب السلف مثل كتب أهل الافتراق والبدع والأهواء حين قال: (وكتب العقائد رغم ما فيها من حق إلا أن فيها الكثير من الباطل، بل هو الغالب عليها، لما فيها من الأحاديث المكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم، والإسرائيليات المشككة للمسلم، والتكفير للمسلمين، وزرع بذور الشقاق والتباغض بين المسلمين، وغير ذلك من الهوى والظلم والجهل)، وهذا من التلبيس والظلم والافتراء على السلف، فإن كل ما قاله الكاتب من هذه المطاعن يصدق على كتب عقائد القوم (المبتدعة) في الجملة لا على كتب السنة وأهلها، فكتب عقائد السلف تقوم على الحق والدليل، والعدل والإنصاف، والعلم، والهدى والسنة، وما يخرج عن ذلك قليل من الزلات والأخطاء والتجاوزات التي قد تكون في ثنايا كتب العقائد المعتمدة عند السلف، وهي كتب الصحاح والسنن والآثار والمصنفات الكبرى لأئمة السنة، وهي أمور معلومة عند أهل العلم الراسخين، فإن كتب السلف الحق فيها هو الأصل والأكثر، وخلاف ذلك ـ بحمد الله ـ قليل، بل نادر، والنادر لا حكم له.
وكذلك اتهامه لكتب أهل السنّة بأن فيها أحاديث مكذوبة، فهذا هو الكذب والبهتان، فإن كتب السلف تعتمد على الصحيح، إلا النادر مما هو اجتهاد خاطئ عند البعض.



* هناك دعوى يرددها أهل الأهواء محصلتها دعوى كثرة وجود الاستطرادات في كتب السلف كيف نرد هذه الدعوى؟
- زعموا أن كتب العقائد فيها الكثير من الحشو والاستطرادات، وأن فيها أحاديث مكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم وأقول: نعم، إن هذا الوصف يصدق على أكثر كتب عقائد الفرق المخالفين للسنة، من أهل الأهواء، أما كتب السلف فهي تقرر الحق، والحق فيها هو الأصل والغالب والكثير، وما قد يوجد في بعضها من استطرادات وآراء خاطئة لبعض العلماء، فليس ذلك من أصول العقيدة، إنما هو من المسائل الفرعية الملحقة بموضوعات العقيدة للمناسبة، وهذا قليل وليس في الأصول. وليس في عقيدة السلف ما ليس عليه دليل من القرآن والسنّة، وما قد يوجد أحياناً من الأحاديث الضعيفة أو الحكايات والإسرائيليات أو المنامات ونحوها فإنما أورده بعض العلماء للاعتضاد والاستئناس لا للاعتماد، أو على اعتبار أنه يحتمل الصحة، وليس هو الدليل.
كما أنه لا يلزم من رواية بعض الأحاديث الضعيفة أو المشتملة على ما ينافي العقيدة اعتقاد ما جاء فيها، ولا اعتقاد صحتها.



الصراعات التاريخية
* هناك من ينتقص منهج السلف الصالح ويرى أنه إنما تكوّن نتيجة الصراعات والأحداث كيف نرد هذا القول؟
- زعموا أن عقيدة السلف (أهل السنة) ومخالفيهم تكونت نتيجة للصراعات السياسية والمذهبية والأحداث التاريخية.
وهذا الكلام فيه حق وباطل، أما وجه الحق فيه فهو أن عقائد مخالفي السلف وهم أهل الأهواء والافتراق والبدع كان من أسبابها توجهاتهم وصراعاتهم السياسية والمذهبية والأحداث التاريخية، وردود الأفعال، لأنهم يحكِّمون أهواءهم وآراءهم في مواقفهم تجاه السنة وأهلها وتجاه الولاة، ولا يلتزمون تعاليم الشرع في ذلك.
أما الباطل فزعمهم أن مذهب السلف كان كما ذكروا، أو أنه ردود أفعال، فإن مذهب السلف (أهل السنة والجماعة) هو الحق والسنة والصراط المستقيم، المستمد من القرآن والسنة، وكل أصل عند السلف (من أصول العقيدة) إنما يقوم على الدليل، وما قد يندرج في بعض مصنفات العقيدة من مسائل فرعية فليس من الأصول، والسلف يتعاملون مع الصراعات السياسية (إن صح التعبير) حسب النصوص والأصول والقواعد الشرعية، التي تقوم على السمع والطاعة بالمعروف، والنصح لمن ولاه الله أمر المسلمين، وعدم الخروج على الوالي المسلم ما لم يروا كفراً بواحاً عندهم فيه من الله برهان، وهذا كله مما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله أمر بالاجتماع على الحق، ولا اجتماع إلا بإمامة وسلطان، ولا إمامة وسلطان إلا بسمع وطاعة بالمعروف، كما أثر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "أنه لا إسلام إلا بجماعة، ولا جماعة إلا بإمارة، ولا إمارة إلا بطاعة"



* من الدعاوى التي وجهها أعداء السلف اتهامهم للسلف بأنهم يضعفون الثقات من مخالفيهم. ما رأي فضيلتكم بهذا الادعاء؟
- نعم، زعموا أن الحنابلة ويقصدون بهم أهل السنة (السلف الصالح أهل الحديث): يضعفون ثقات المخالفين لهم، ويوثقون ضعفاء الموافقين لهم. وهذه فرية كبرى وجهل فاضح، فإن موازين الجرح والتعديل عند أئمة الحديث، تقوم على موازين وضوابط ومقاييس علمية وشرعية وعقلية، تقوم على العدل والتثبت والعلم، وكانوا يعدون الإسناد من الدين.
ومن موازين الجرح والتعديل التي ضاق بها أهل الأهواء ـ قديماً وحديثاً ـ رد رواية المبتدع الداعي إلى بدعته عند أكثر أهل العلم، وذلك أمر تقتضيه قواعد الشرع وموازين العلم.
فالبدعة ضلالة، والمبتدع متهم في الدين من هذا الوجه، وإذا دعا إلى بدعته فهو قد أصر على الضلالة، فكيف تقبل روايته إذا كان كذلك؟
كما أن أهل الحديث والسلف الصالح يردون رواية كل من لم تتوافر فيه شروط الرواية وإن انتسب للسنة وأهلها، وإن كان من الصالحين والعباد. وقد ردّ أهل الحديث رواية كثيرين من أهل السنة كما هو معلوم مستفيض، ويقبلون رواية الثقة؛ وإن كان ممن لهم زلات لا تطعن في ذمته ودينه؛ ولذلك كان بعض أهل الحديث يقبلون رواية المبتدع غير الداعي إلى بدعته إذا كان ثقة عندهم. وآخرون يرون البدعة بحد ذاتها جارحة ومؤثرة في العدالة.
وقد شهد عقلاء العالم ـ قديماً وحديثاً ـ بأن موازين الجرح والتعديل والقواعد التي وضعها السلف أهل الحديث لضبط الأسانيد والمتون وأحوال الرجال، هي أدق موازين ومقاييس في تقويم الرواية والدراية عرفتها البشرية إلى اليوم. وذلك تحقيق لوعد الله تعالى بحفظ هذا الدين، ومن مقتضيات انقطاع الوحي وختم الرسالة.



أهل السنة لا يتعصبون
* وما رأي فضيلتكم أيضاً بقولهم إن أهل السنة يتعصبون لمذهبهم ولعلمائهم وغلوهم فيهم؟
- المستفيض عن أهل السنة، أئمتهم وأتباعهم، مقت التعصب والغلو أياً كان، ولذلك قد يصفهم أهل الأهواء الذين يغلون في الرجال بأنهم (جفاة). كما أن أهل السنة يثنون على علمائهم ويقتدون بهم بحق، كما أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وليس هذا غلواً.
أما ما يحدث من بعض علماء السنة وبعض طلاب العلم فيهم أو عوامهم من غلو أو عصبية قد تخرج عن الحد الشرعي، فهو من الأخطاء الفردية، فيجب ألا تحسب هذه الأخطاء على المنهج نفسه، أو على أهله بجملتهم، إنما تقاس الأمور بالمناهج والقواعد والأصول، وما عليه أهل العلم والاستقامة والقدوة في الجملة، وترد إلى أدلة الكتاب والسنة.
كما أن غلو بعض المنتسبين للسنة في علمائهم جهلاً أو إفراطاً، فإنه إن حصل فهو لا يصل إلى العبادة والتقديس واعتقاد العصمة، كما عند غيرهم، فهو ـ أعني الغلو والتقديس ـ عند غيرهم هو الأصل.
كما أن هذا ـ أعني الغلو والتقديس ـ نادرٌ جداً ليس عليه إلا الشاذ، وهو مردود أيضاً لا يقر عند جمهور أهل السنة، فلا يحسب على المنهج والعموم.
كما أن هذا لم يحدث من العلماء القدوة والأئمة الكبار ـ بحمد الله ـ إلا في زلات نادرة، أو تعبيرات شاذة ـ ومع ذلك ـ فإن أهل السنة إذا حدث هذا ممن ينتسبون إلى السنة أو غيرهم، أنكروه ولم يقروه، كما فعل الشيخ بكر أبو زيد في المناهي اللفظية، حيث أنكر بعض العبارات التي أطلقها البعض في حق بعض أئمة السلف. أما أهل الأهواء ـ نظراً لأنهم مفرّطون في اتباع السنة ـ فمن الطبيعي أن يصفوا التمسك بالسنة غلواً وتعصباً وتحجراً ونحو ذلك.
وزعموا أن أهل السنة يشهدون لمن يوافقهم بالعدالة ويجرحون من يخالفهم. وهذه فرية وجهل كبير، فإن أهل السنة اعتمدوا للجرح والتعديل قواعد شرعية دقيقة، ومقاييس علمية منضبطة حفظ الله بها السنة إلى قيام الساعة. وميزان الجرح والتعديل لدى أهل الحديث، أهل السنة، يقوم على العدل وعلى الموازين الشرعية. ورد رجال الحديث للرواة الذين ينتسبون لأهل البدع والأهواء إنما كان لحماية السنة من الأهواء، لا لمجرد كونهم من المخالفين، ولا لمجرد الانتماء، مع العلم أن الانتماء لغير السنة أمر قادح، ومع ذلك لا يردون رواية المبتدعة مطلقاً؛ إنما يردون رواية المبتدع الداعي إلى بدعته، أو إذا كانت الرواية تنصر بدعته وتوافق ما يذهب إليه.