سماحة المفتي:توفيق الله للعبد في هذه الدنيا علامة خير.. ولگن ما هو التوفيق؟

مفتي عام المملكة ورئيس هيئة كبار العلماء العلامة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه، وعلى آله، وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، أما بعد:
فيا أيها الناس: اتقوا الله تعالى حق التقوى.
عباد الله: إن الله جلَّ جلاله، خلق الخلق لطاعته، ومحبته، ورضوانه، وهو جلَّ وعلا يرضى من عباده، عبادته وحده لا شريك له، وبعدهم عن الشرك به، ولا يرضى لعباده الكفر، ولا يأمر بالفحشاء والمنكر، وإن من نعمة الله على العبد أن يهديه الله للإسلام، فيعيش بين المسلمين، ويتنعم في شرع الله وأحكامه.
أيها المسلم: إن المؤمن حقاً، يحذر فتنة الدنيا وتقلُّبها، ويخشى على نفسه دائماً من فتنة الدنيا وزيغ القلب، فهو دائماً يردد: {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ }آل عمران8، يخشى من فتن الدنيا، ولا سيما بعد ما فتح على الناس من باب العبث واللهو، وما فتح من اتصالات عظيمة، جلب في طياتها كثير من الفساد، لا ينجو منها إلا من وفقه الله، وهداه، وعصمه من تلك البلايا والفتن.
أيها المسلم: إن توفيق الله للعبد في هذه الدنيا: علامة الخير ودلالاته، ولكن ما هذا التوفيق؟ هذا التوفيق إنما يكون للخير، وأسباب الخير، وكم يقنط في هذا الباب من يقنط، فيظن أن انفتاح الدنيا، ووفرتها بيده، وتوسعه بزخارفها أن ذلك مجرده علامة الخير، وقد رد الله على هذا المفهوم الخاطئ بقوله: {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ }(55) {نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَّا يَشْعُرُونَ }(56)، وقال: {وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاء الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ }سبأ37 ، فمجرد المال، ونعيم المال، ليس بمجرده محققاً للسعادة، وإنما يحققها مع دين الله الأعمال الصالحة، الخالصة لله بأن يسخِّر كل شيء، فيما يقرِّبه إلى الله، وإن المؤمن يبحث عن أسباب توفيق الله للعبد، فإن وجد عنده ذلك، فليحمد الله، وإن رأى تقصيراً، فليبحث عن أسباب توفيق الله له، فإن هذا مطلوب في هذه الدنيا، ليكن على بصيرة في أمره.
أيها المسلم: ومن تأمل نصوص كتاب الله، وسنة محمد - صلى الله عليه وسلم - رأى للتوفيق أسباباً وعلامات، إذا كان في العبد يرجى بتوفيق الله، أن يكون ممن وفق للخير، فأعظم التوفيق، وأهمه أن يوفق العبد للأعمال الصالحة، سواء كانت أعمالاً بدنية، أو أعمالاً قولية، أو أعمالاً مالية، فيوفق للأعمال الصالحة عموماً، فتوفيق العبد خيراً وعوناً له على كل خير، وإن تخلى الله عنه، فإن الشيطان يتلقفه: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ }فاطر6، فالموفق للأعمال الصالحة يجد للأعمال الصالحة لذة وراحة وطمأنينة في قلبه، قال تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ }الانفطار13، فهم في نعيم في الدنيا بطاعة ربهم، ونعيم في البرزخ بما يرد عليه من الخير، ونعيمٌ يوم لقاء ربهم بما أعد الله لهم ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، هذا الموفق للعمل الصالح، تراه دائماً يلهج بذكر الله، فلسانه رطباً بذكر الله من تسبيح، وتكبير وتحميد، واستغفار، وتوبة إلى الله في الأوقات الطيبة، تراه يحب الصلاة، ويعظمها، ويطمئن اليها ويعظِّمها، فهي قرة عينه، وراحة باله، وسبب في انشراح صدره، واقتداء بنبيه - صلى الله عليه وسلم - القائل: (حبب إلي من دنياكم النساء، والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة)، هو يحبها، ويألفها، ويحن إليها: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ }(36) {رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ }النور37، هو يحب الصلاة، ويحن إليها، وقلبه معلق بالمساجد متى ما سمع نداء الله، حي على الصلاة، حي على الفلاح، أمَّ المسجد طاعة لله، ورغبة في الخير، وحباً له لا يشغله عن الطاعة شاغل، ولا يصده عنه صاد، بل هو حريص على الطاعة كل الحرص، تراه يؤدي زكاة ماله، طيبة بها نفسه قرة بها عينه، يؤديها بسخاء نفسه، شكراً لله على إفضاله وإنعامه، واستجابة لأمره، وطلب المزيد، يصوم رمضان، فيستقبله بكل فرح وسرور، لعلمه بمحبة الله لذلك، يحج البيت، يبر بالوالدين، يصل الرحم، يحسن الى الجار، يبذل المعروف، كل تلك الطاعات وفق لها، فأحبها وقام بحقها، يتذكر قول الله: {وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً }الأحزاب71، ويرجو أن يحشر مع الرفقة الطيبة المباركة: {وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً }(69) {ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللّهِ وَكَفَى بِاللّهِ عَلِيماً }النساء70، من توفيق الله له أن يرزقه الله فقهاً في دينه، فتكون أعماله كلها على شرع الله، يبصره الله في الحلال والحرام، ويعطيه فطرة نيرة، يتبصر بها الحق من الباطل: {يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ }الأنفال29، (ومن يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)، هكذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -، والفقه في الدين ليس محصوراً في كثرة المسائل، والإلمام بها، وهذا لا شك جزء مهم، لكن المهم أن يوفق العبد للعمل بما علم، وتطبيق ما علم، فيكون فقيهاً في دين الله، عاملاً بما علمه الله، أعماله كلها على وفق شرع الله، ومن توفيق الله للعبد أن يوفقه للدعوة الى الخير، وإصلاح الناس، والدعوة إلى الهدى، فمن وفقه الله بأن يكون داعياً للخير، داعياً إلى سبيل الله، محذراً عباد الله من سخط الله، وغضبه، فذاك الموفق للخير، والله جلَّ وعلا يقول: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ }فصلت33، فالدعوة إلى الله سبيل الأنبياء والمرسلين، وأتباعهم: {قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }يوسف108، وبالحديث: (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه إلى يوم القيامة لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً)، فالداعي إلى الله، المرشد إلى عباد الله يحذرهم من معاصي الله، يحذرهم من أسباب غضب الله، وسخطه، ينصحهم في معاملاتهم، فيحذرهم من المعاملات الرديئة، ويحذرهم من الحيل والشبه الباطلة، يرشدهم في عباداتهم، فيحثهم على الأوامر، واجتناب النواهي، ويكون ناصحاً لهم، رادعاً لهم عن الشر، محذراً لهم من الباطل: (أنصر أخاك ظالماً، أو مظلوماً)، قالوا: يا رسول الله ننصره مظلوماً، فكيف ننصره ظالماً؟ قال: (تردعه عن الظلم، فذالك نصرك إياه)، الداعي إلى الله إذا وفق، فدعا إلى أصل الإسلام، وأساس الملة، والدين عبادة الله وحده، وإخلاص الدين لله هي دعوة جميع المسلمين: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ }الأنبياء25، فأساس الدعوة، الدعوة إلى توحيد الله، وإخلاص الدين لله، وتحذير المسلمين من الشرك، ووسائله القريبة والبعيدة، فذاك أعظم الواجبات وأهمها.
أيها المسلم: ومن علامة توفيق الله للعبد: أن يمنَّ عليه بالتوبة النصوح، فيجعله تائباً إلى الله، تائباً إلى الله من ذنوبه وخطاياه وسيئاته، فمن منا معصوم عن الخطأ، وكلنا خطاء، وخير الخطائين التوابون، كلنا نخطأ، في الحديث القدسي (يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعاً، فاستغفروني، أغفر لكم)، إن من نعمة الله علينا أن فتح لنا باب التوبة إليه، لنقلع من خطايانا، ونتوب من سيئاتنا، ونمحو الصحائف السود المقتمة، بأن نفتح صحائف بيض ناصعة، نتوب إلى الله ليلاً ونهاراً، وسراً وجهاراً: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }النور31، توبة نقلع بها عن الخطأ، ونندم عما مضى، ونعزم ألا نعود، توبة نتخلص بها من مظالم العباد، ونرد الحقوق إلى أهلها، ونتخلص من ظلم العباد من كل أنواع الظلم، تلك التوبة التي إذا وفِّق العبد لها نال خيراً كثيراً، والله جلَّ وعلا يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، والله يقول: { إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ }البقرة222، ومن توفيق الله للعبد أن يمنَّ عليه فيجعله ملجأ لعباد الله، يفرِّج هماً، ويكشف كرباً، وييسر على معسر، ويعين ملهوفاً، ويقف مع المظلوم، فإن هذه الخصال الحميدة إذا وفِّق العبد لها نال خيراً كثيراً، يقول - صلى الله عليه وسلم -: (من يسَّر على معسر، يسَّر الله له في الدنيا والآخرة، ومن فرَّج كربةً عن مسلمٍ، فرَّج الله له كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد، ما كان العبد في عون أخيه، أشفعوا تؤجروا، ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء)، ومن توفيق الله للعبد أن يوفقه لحب القرآن، بتعلم القرآن، وتعليمه، والإنفاق على طلابه، والمنتسبين إليه، يقول -صلى الله عليه وسلم -: (خيركم من تعلَّم القرآن، وعلَّمه)، فمن تعلَّم القرآن، فقد أوتي خيراً كثيراً: {يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً}البقرة269، ومن علَّمه غيره فقد نال خيراً كثيراً، ومن أعان على تعليم القرآن، ووقف مع جمعيات تحفيظ القرآن، وأمدَّهم بما يستطيع من إمكانات، فهو داخل في هذا الفضل العظيم: (خيركم من تعلَّم القرآن، وعلَّمه)، ومن توفيق الله للعبد أن يجعله آمراً بالمعروف، ناهياً عن المنكر، داعياً إلى الخير، فالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر خلق أهل الإيمان: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }التوبة71، فهو آمر نفسه بالمعروف قبل كل شيء، وناهياً نفسه عن المنكر، ثم يمتد ذلك إلى غيره، فيأمر زوجته وأولاده بالخير وبالمعروف، وينهاهم عن المنكر: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا}طه132، في الحديث: (مروا أبناءكم بالصلاة وهم أبناء سبع، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع)، فهو يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر في بيته في زوجته وأولاده، وبناته ومن حوله، ومن يخدمه، ويأمر جيرانه، وأصحابه، ويأمر أخوانه، وأرحامه، ويأمر بالمعروف قدر استطاعته، رحمة بالعباد، وإحساناً إليهم، وإنقاذاً لهم من الجهالات، والضلالات، فالآمر بالمعروف، والناهي عن المنكر يكون رحيماً بمن يأمره، وينهاه رفيقاً به، محسناً إليه، شفيقاً عليه، حريصاً على هدايته ما استطاع لذلك سبيلاً، هكذا المؤمنون فيما بينهم، أهل تناصح، وتعاون، وصدق الله: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }المائدة2، ومن توفيق الله للعبد أن يمنحه مكارم الأخلاق، ومحاسن الأعمال، يوفقه الله للكلمات الطيبة، والكلمات النافعة، فيهذب لسانه، ويطهره من الفحش، وقبح الكلام، قال الله جلَّ وعلا: {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوّاً مُّبِيناً }الإسراء53، وقال: {وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً}البقرة83، فمن وفِّق للكلمات الطيبة، والكلمات النافعة، المؤثِّرة، نال خيراً كثيراً، وقرب الناس منه، وأثَّرت دعوته، وأثَّر وعظه، ومن سلب هذه النعمة، فكان فاحش القول، قبيح الألفاظ ابتعد عنه، وفي الحديث: (ليس المسلم بالسباب، ولا باللعان، ولا بالفاحش، ولا البذيء)، ومن توفيق الله للعبد: أن يوفقه في حياته الأسرية، لما فيه الخير والصلاح، فتراه يعامل أسرته بمعاملة طيبة، يعامل زوجته وأبناءه وبناته بالمعاملة الطيبة، يتذكر قول الله جلَّ وعلا: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}البقرة228، فهو يعامل زوجته بالإحسان، ينفق ويكسو ويسكن، ويأمر بالخير، وينهى عن الشر، وتبادله الأخت المسلمة ذلك، فهي أيضاً آمرة بالخير، حافظة بيتها وفراشها وأولادها، هذا الذي وفق مع أسرته بالمعاملة الحسنة، دل على خيريته، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم - يقول: (خيركم، خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي)، صلوات الله وسلامه عليه، فهو يأمر زوجته بالخير، ويربي أبناءه التربية الصالحة، وهو قدوة لهم حسنة، وأسوة لهم صالحة، يعيشون في كنفه في طمأنينة، وسكينة، وتبادل للمحبة، وتعاوناً على الخير، يجدون أباً شفيقاً، رحيماً، محسناً، حازماً في أمره، ليس مهملاً، ولا معاتباً، ولكن يسلك الطريق السوي، ويحاول سد الخلل، ويحاول جمع الكلمة بقدر ما يستطيع، يربيهم على البر والصلة، يربيهم على الخير، والأخلاق، على الصدق، والأمانة، والوفاء يبعدهم من الكذب، والرذيلة، والخيانة، وسؤال الناس، والتذلل إليهم، يربي نفوسهم التربية الصالحة، فيجعلها نفوساً زكية أبية، تعيش على الخير والعفة والنزاهة، هكذا الأب الصادق، والأب الموفَّق، وهكذا الأم الموفَّقة أيضاً، في تربية أولادها وبناتها، تربي الجميع على الخير، وتحثهم عليه، وترشدهم إلى الطريق المستقيم، ترغِّبهم في برِّ أبيهم، والإحسان إليه، وفي صلة أرحامهم، وفي التعاون في الجميع. فنسأل الله أن يجعلنا، وإياكم من الموفقين للخير في أحوالنا كلها، إنه على كل شيء قدير؛ أقول قولي هذا، واستغفر الله العظيم الجليل لي، ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، أما بعد:
فيا أيها الناس: اتقوا الله تعالى حق التقوى.
عباد الله: من توفيق الله للمسلم قبوله أوامر الله، ورضاه بذلك، وعدم معارضتها بالآراء والأهواء، قال جلَّ وعلا: { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ}الأحزاب36، فهو يقبل الأوامر، فيمتثلها، ويقبل النواهي، فيجتنبها، ويعلم أن الله حكيمٌ فيما أمر، وحكيمٌ فيما نهى عنه، فلا اعتراض على شرع الله، ولكن تسليم،ٌ وقبول، ومن توفيق الله للعبد: أن يكون راضياً بحكم الله إذا حكم عليه، مستجيباً لذلك: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }النور51، وهذا بخلاف المنافقين في قوله: {وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ }(48) {وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ }(49) {أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ }النور50، ثم قال {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }النور51، ومن توفيق الله للعبد: أن يرزقه الله القناعة بما قسم له، والرضا بذلك، وعدم التطلع لما بأيدي الناس: (قد أفلح من أسلم، ورزق كفافاً، وقنعه الله بما أعطاه، من يصبّر، يصبره الله، ومن يستعفف، يعففه الله، وما فتح عبد على نفسه باب مسألة إلا فتح الله عليه باب الشح )، فمن قنعه الله بما أعطاه، ورزقه القناعة، وسلوك الطريق السوي، فإنه يعيش سعيداً مطمئناً، ينظر إلى من أسفل منه، ولا ينظر إلى من هو أعلى منه، ويعلم أن الله حكيم عليم، فيما قسم بين عباده، يغني هذا ويفقر هذا، وله الحكمة البالغة، فالمسلم راضياً بقسم الله، مطمئناً بذلك، يعيش قرير العين مطمئن البال، منشرح الصدر، لا يحمل هماً، ولا غماً، ولا حقداً على أحد، وإنما يعيش بطمأنينة النفس: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }النحل97
واعلموا رحمكم الله: أن أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم -، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ، شذَّ في النار، وصلوا -رحمكم الله- على عبد الله ورسوله محمدٍ، امتثالاً لأمر ربكم القائل: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً }الأحزاب56.
اللهم صلي وسلم، وبارك على عبدك، ورسولك سيد ولد آدم، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن سائر أصحاب نبيك أجمعين، وعن التابعين، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك، وكرمك، وجودك، وإحسانك، يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام، والمسلمين، وأذل الشرك، والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، وانصر عبادك الموحدين، واجعل اللهم هذا البلد آمنا مطمئناً، وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين.
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمرنا اللهم وفقهم لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين اللهم وفِّق إمامنا إمام المسلمين عبد الله بن عبد العزيز لكل خير، اللهم أمده بعونك وتوفيقك وتأييدك اللهم أنصر به دينك وأعلي به كلمتك واجمع به قلوب الأمة على الخير والهدى إنك على كل شيء قدير.
اللهم وفِّق ولي عهده سلطان بن عبد العزيز لكل خير، وسدده في أقواله وأعماله، واجعلهم أعواناً على البر والتقوى. إنك على كل شيء قدير.
ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم، ربنا ظلمنا أنفسنا، وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار. عباد الله: إن الله يأمر بالعدل، والإحسان، وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء، والمنكر، والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على عموم نعمه، يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.