هُناك من تقرأ لسيرتهم و تحزن ، بل قد تتمزّق ألماً و تتوسّد وجعاً و أنت
تقرأ لمُصابهم في الدنيا .. !
أحَدَهم .. بدر شاكر السيّاب ، الشاعر الذي أبكى العراق يوماً في رائعته "
أنشودة المطر " ، تُوفّيت والدته و هو في السادسة من العمر ، فأشعل الحزن
صباه و أطفأ المرض شبابه ، وقد صرخ كثيرا و كتب ينشد العلاج إلى أن وقعت
إحدى المنشورات بين يدي الشاعر الكويتي علي السبتي ، فقام بإحضاره
إلى المستشفى الأميري في الكويت و لازمه حتى وفاته ، ليقوم بعد ذلك بحمل
جثمانه في سيارته الخاصة ذاهباً به إلى البصرة ، حيث شيّعه إلى مثواه الأخير
هُوَ و خمسُ أشخاص فقط و يرافقهم المطر .. الذي طالما تغنى به السياب في
قصائده ..
و هناك الأديب و المفكر عباس محمود العقاد ، الذي عاش طفولة بائسة لم يكمل
معها تعليمه الإبتدائي ، و شباباً أفناه بين اقتصاص راتبه الضئيل لشراء الكتب
و بين الفقر الذي طارده كثيرا ، و كم أحبط من الأصدقاء بعد أن مد يده مستغيثا ،
فسألهم كثيرا و ردوه كثيرا ، و كان جرحه الأعمق من الوطن الذي لم ينل
منه ما يستحق من التكريم و قد علق حول هذا الشأن بقوله : "
يا لهذا البلد الذي إن أراد أن يدعم الإسلام استعان بكتبي ، و إن أراد
أن يدحض الشيوعية استعان بكتبي ، و إن أراد أن يرشح أحدا لجائزة نوبل
رشحهم دوني " ، و مثلما عاش وحيدا توفي وحيدا ، و لم يكن من حوله
عند وفاته سوى مجموعة من الكتب التي أخلص لها و أخلصت له ..
و هناك الكاتب و الأديب و المنظر الإسلامي سيّد قطب ، الذي تم الزج به في ا
لسجن لمدة خمسة عشر عاما ، ذاق خلالها شتى أنواع العذاب ، لتتراوح حياته ب
ين الحرية المنشودة و السجن و مؤلفاته الإسلامية واستمر كذلك إلى أن تم الحكم
عليه بالإعدام ، و قايضوه بذلك مقابل الكف عن الدعوة لتطبيق الشريعة
فكان جوابه : " لن اعتذر عن العمل مع الله " ،
فقالوا له : إن لم تعتذر فاطلب الرحمة من الرئيس ،
فقال : " لماذا أسترحم ؟! إن كنت محكوماً بحق فأنا أرتضي حكم الحق
و إن كنت محكوما بالباطل ، فأنا أكبر من أن أسترحم الباطل " ،
و جاءه وقت الإعدام من يلقنه الشهادة وقال له : تشهّد ! فقال قطب :
" أما علمت بأنني سأعدم لقولي : لا إله إلا الله " ،
لتنتهي حياته دون أن تنتهي الإتهامات التي ما زالت تطوله حتى يومنا هذا ..
و هناك الكثير على مختلف ميولهم ، قد نختلف معهم
و قد تتناقض أفكارنا مع أفكارهم ،
ولكننا نتفق بالحزن و نحن نقرأ عنهم ..
خالد بن محمّد