عزيزي القارئ, «قراءتك» محلّ تقديرنا, وانتظاركَ كذلك, وبعيداً عن: نشكرك لاختيارك هذا المربّع للقراءة, ولاعتزازنا بخدمتكم, وبأهلا وسهلاً على رأس كلّ حائط, وعن الحجوزات التي تأكدت, والحجوزاتِ/ اللهفاتِ التي تنتظر, وبعيداً عن التفاوض بلغة أخرى, وعن صوتكَ يهمّنا, وعن جاري خدمة عملاء آخرين, لا ندري من يكونون سوانا وسوى انتظاراتنا الطويلة, وبعيداً عن توجّساتٍ تملؤنا عند دخول أيّ صالة مطار باردة, بأبوابٍ أتوماتيكيّة, ورهبةٍ كذلك.
ولأنّي أحبّ أخي, ولأنّي أرى ملامحه تتبدّل عند حديثهِ لموظّف الخطوط, ولأنّي يحزنني صوت أمّي تتوسّل شاباً للتوّ عرف كيف يربط رباط عنقه, وينسى رباط أدبه, ليهبها حجزاً تدركُ به ميعاد علاجها, ولأنّا نؤمن بوجود منافسين/مناقشين, في الكتابة والفكرة والمادّةِ والأشياء, ولأنّي لم أطلب رحلة للفضاء, ولا حجزا مؤكدا لسطح القمر, ولا درجة أولى, ولا عفشاً زائدا. كلّ ما أريد, حفر الباطنِ يومَ عيد, وشرورة وخميس مشيط بحقيبة يدٍ وهديّة, وجدّة, عروسنا الزاهيةُ بكثرة الآتين, والرياض, الرياض العاصمة, التي لا يمكن الذهاب لها متى ما شئت, بل متى ما شاءت الخطوط.
سيئ أن تعرف أنّك لن تحضر, وأسوأ منه أن تُخطرَ الآخرين بعدم حضورك, وأمرّ من ذلك كلّه, أن لا تدري هل ستحضر أم لا, ما يمكن تفصيله على وضعيّة كهذه, هو ما ينتاب الراكب على متنِ هذا الجهاز الخطوطيّ العريض/ العريق, في وقتِ الذروةِ كما يقولون, أو في هدأة الفراغِ والسكون. ولذا, وحفاظا على أوقاتكم, ومواعيد عمليّاتكم, ومراجعات أطبائكم, وطلبات وظائفكم, ومراجعات حقوقكم, وقضايا محاكمكم, ينبغي أن تبادروا إلى حجوزاتكم مبكّراً أكثر من اللازم, كي تضمنوا أنّكم لن تكونوا ضمن «ركّاب» يضمّون المريض والكبيرَ والصغيرَ وذا الحاجة الملهوف, تتناولون وجبة اعتذاريّة, من شطيرةٍ ومشروب, بشيء من ريالات معدودة, ليست لإغناء جوع بطونكم, قدرَ ما هي لإسكاتِ صخبِ ألسنتكم, ورهقِ انتظاركم, وعناءِ قلقكم, وسدّا لذريعةِ مطالبة المتسبّب بهذا التأخير الفجائيّ البغيض.
?جيّد أن تخصم الخطوط السعوديّة 25% من قيمة تذكرةِ أي راكب تأخّر عن مقعده فأشغله عن احتواء راكب آخر وحيد, لكنّ الأجودَ أن تخبرنا الخطوط كم ستخصمُ على من يضيع على ركّاب طائرة كاملةٍ مواعيدهم ومقاعدهم وأشغالهم وتمديدِ لهفة المنتظرين في محطّات الوصول, ومدارج الهبوط, ضاربينِ بشكاوى الشاكين, جناحِ أوّل طائرة.
جيّد أن تغلق الرحلة, قبلَ 45 دقيقة من إقلاع الطائرة, وجيّد حرمان أي راكب من الوصولِ للطائرة ولو بدقيقة واحدة تلت هذا الموعد, لكنّ الأجودَ أن تفتح الخطوط قلبها وهي ترى رحلة تكتبُ إقلاعنا في الثامنة تماما, وتردّ راكباً واثنين وثلاثة, يعودون بخيبةِ تأخّرهم, بينما المئات من الركّابِ على جثمان الطائرة القديمةِ, وفي سخونة جوفها يقبعون حتى الحادية عشرة والنصف ليلاً –مثلا-. ?جيّد أن تكون بسمات المضيفينَ والمضيفاتِ في داخل الطائرةِ جميلة, ممتدّةً بامتداد الرحلةِ, محلّقةً كأجواء الفضاء, لكنّ الأجودَ أن يُمنع العبوسُ التامّ, من قبل أيّ موظّف هنا, مهما تكن الظروف, لكونه يدركُ أنّه موظّف تحت أمر هذا المواطن, ولخدمته, ولبناءِ جهازٍ راشد محتكر متنافسٍ مع ذاته, قادرٍ على تلبيةِ كلّ ما يحتاج هذا الوطن, بعيداً عن ترفّع إجاباته, وزمّ شفاهه, وتركه له ينادي الحوائط والأجهزة وعمّال النظافة يسألهم: أين المشرف هنا.
إننا نتحدّث عن جهاز بُني في البدء؛ من أجل خدمة تنقّلات هذا المواطن, إراحتهِ وتسريع أعماله, «الخطوط الجوّية العربيّة السعوديّة», إننا أمام أكثر من رؤية والتزام, تفرضها التسمية الزرقاء هذه, يشي بكونها أوّلا خطوطاً, تنبئ عن وضوح نقاطِ البداية ونهاياتها, بعيدا عن ارتجالات اللحظة المزدحمة, وعبث التلافي في أوقات الاكتظاظ المتوقّعة, وبكونها جوّية, محلّقة, صاعدة, بعيدة عن كلّ عبوس منحط, وتسويفٍ حضيضيّ لا يليق, وبكونها تحاول دوما أن تبقى سامية فوق كلّ شبهةٍ بازدراءِ المستفيدِ أو ردّه خائبا, وبكونها عربيّة, تجمع ما للعرب من وفيّ الأخلاق, وخليقِ الوفاء, وبكونها فوق ذاك, سعوديّة, تحمل اسمَ هذا الوطن, مرآةً ورمزاً ودلالة, إنّ هذا يحمّلها أكثر مما يمكن أن تكون لو كانت مجرّد ناقلٍ آخرٍ في هذا العالم العاجّ بالمنافسين.
?«الخطوط الجويّة العربيّة السعوديّة» لا تمثّل تفرّد المشطِ المثلومِ في حقيبةِ الصلعاء, ولا انتشاء النظّارةِ المكسورةِ في درج الأعمى, إنّها تمثّل وطناً بأكمله, ماذا نقولُ لبنيهِ, ونحن نبصرهم يستقلّون كلّ شركاتِ الطيرانِ الدوليّ, عداه إلا إذا اضطرّوا إليه, ويظلّ هاجس إرباك الخطوطِ ومدى تقبّلها لوجودهم, أمراً مهولا, إما أن تتفرّد بأحقيّة, وإمّا أن تدع للآخرين فرصةَ أن يخبروكَ كم كنتَ بحاجةِ لوجودهم.
?لن أحكي عن مضاهاة صالات الطيرانِ بمطارات دولٍ أخرى, هي بقدر مدينة واحدةٍ من مدننا, ولا عن رقيّ وحداثةِ أساطيل طيرانهم, بأزيزِ الزمان المتعبِ يلوح على متن أسطولِ طيراننا, ولا عن بسماتِ المضيفين العابسة.
?إنّ كلماتٍ جيدّة من فئة: «نعتزّ بخدمتكم»، و«أهلاً وسهلاً» على غلافِ مجلّات الخطوط, وتعليقاتِ جدران مكاتبها, ستظلّ كما هيَ كلمات جميلة, ولوحاتٍ وسيمة, تنقصها الأفعال, وتعوزها الدلائل, إنّنا ندفع ثمناً لما نأخذه, ونرجو أن نجدَ بديلاً حقيقيّا مقابلَ الدفع, بعيدا عن اعتزاز الآخر المدفوع له بخدمتنا, أو تكراره الترحيب بنا على كلّ ورقةٍ يطبعها, خذ مالنا.. وحقّق آمالنا, ثم بعد ذاك, انقش على كلّ زاوية لديك: «نعتزّ بخدمتكم». ونرحّب بكم, ونشكركم لاختيارنا, ونقدّر انتظاركم الطويل, لأنا بصدق, وللأسبوع المنصرمِ لوحده, أضحى مآل أمرنا, وشعار حالنا: «نهتزّ بخدمتكم», هلعاً لا طرباً – لا سمح الله –.