مِن بينِ آفاقِ السماءِ تَسابقت = روحي إلى حيثُ الرحابةِ والسَّمَر
نحو الجنوبِ بأرضِ صامطةٍ مضتْ = كلُّ المشاعرِ مثلُ أمواجِ البحَر
لترابِ أرضي و ارتواءِ جوارحي = وسكونِ نبضي وانتثالاتِ الفِكر
لشموخِ عِزَّةِ والدي وسخائِه = و عظيمِ قدرِ كلامِه قلبي انبهَر
لحنوِّ أمي وابتسامةِ ثغرِها = بِوشاحِها اللألاءِ قلبي يزدهِر
أطلقتُ للروحِ العنانَ لتقتفي = آثارَ أحبابي وأطيافَ المطَر
لتجوب أرجاءَ البلادِ بشوقِها = وتُكحِّلُ العينينِ بالدربِ الخَضِر
و وصلتُ للبيتِ العزيزِ بنشوةٍ = وسعادةٍ تطغى على هَمِّ السفر
قبلّتُ رأسَ حبيبتي وجبينَها = و الطيبُ منها فاقَ رائحةَ العطر
محبوبتي أمي مليِكّةُ خافقي = فلكم لبسمتِها على نفسي أثر
و بدا الحديثُ ببيتِنا و فِنائِه = أخبارُ إخواني و من هُمْ في سفر
و سألتُهم عن والدي أحواله = فتفرّقت عن ناظري كلُّ الصور
كرَّرتُ أسألُ إخوتي عن والدي = قالوا أبانا قد توعّك واسْتَسر
قد كان يُخفي مابه عمّن أتى = من داءِ سُكَّرِه وأسبابِ الضرر
وبدا يقاومُ وادْلَهمَّ بحالِه = ذاك العُضالُ وزاد سطْوتَه الضّجر
حتى دنا ميزانُ صحّتِه على = حدِّ التمامِ ودقَّ ناقوسُ الخطر
لكنَّ رحمةَ ربِّنا مدرارةٌ = رفعَ البلا و بفضلِه يحيا البشر
يا والدي أرواحُنا ودماؤنا = لسمو صحّتِك العظيمةِ تنتثر
يا والدي أمرُ الحياةِ صعيبةٌ = إلا لأجلك لا صعيبَ ولا عَسِر
يا والدي فخرًا , فأنت كتابُنا = ودروسُنا وشهائدُ المجدِ الأغر
لا شيء يشبِهُ قدركَ الغالي بنا = إلا كنهرٍ زادَ روعتَه المطر
يا والدي ثَقُلَتْ على أرواحِنا = أصداءُ وعَكَتِكَ الأليمةِ والكدر
و تخالطتْ عَبَراتُنا بحروفِنا = وتناثرتْ بحثًا لراحتِك الفِكر
يا والدي لو قلّدونا شرقَها = جنبا لمغربِها فلن نشري الخبر
لا شيء يُغني عن رضاكَ وبسمةٌ = تكسو نفوسًا بالسعادةِ والفخر
يا والدي مهما صنعنا إننا = بإزاءِ صُنعِك لا نُساوي قدر ذر
هوّن عليك أيا أبي فقلوبُنا = النبضُ فيها من وجودِك يستقِر
حارتْ قواميسُ المحبةِ بيننا = من تستجيبُ له ومن تُخفي الأثر
و تلألأتْ أضواءُ بهجتِنا على = كنَفِ الأبوّةِ في حِماك بلا كدر
لك يا أبي في داخلي أنشودةٌ = تزهو بدفَّاقِ المشاعرِ والدرر
ذا بضعُ نبضٍ من مشاعِرِ حبِّنا = باحَتْ بها نبضاتُ قلبٍ من خبر
ويظلُّ قدرُك في فؤادي خالدًا = علمٌ تشاهَقَ فوق قلْعاتِ القمر
أبقاك ربي يا أبانا سالمًا = وأطال عُمرَك سامقًا بين البشر