امرأة أنا .... !
قادمة من روح التاريخ، الذي يوماً ما، لم ينصف أو ينتصف
وقفت هنا على تلةالحضارات المتعاقبة ، ولم يأتي القمر ،
انتظرت رائحة الفرج ، لم تفح ؛ فاحت فقط ، أمثال خلدت شيطانيتي ،
وحكم كرست خطيئتي ، ومأثورات رسخت دناءتي ...
بكيت ..... !
على حافة الأزمنة الراحلة والقادمة ، أسقطت دموع اللوعة والأسى ،
فسموها دموع التماسيح، دافعت عن حقي في أن أعيش أو أكون، فسموني التمرد
قرأت سيرة البشرية الأولى ، فوجدت صفتي المنقوشة في كل الكتب : الخطيئة ... !
جلست على سفرة الأحلام ، فقالوا : تفاحتك أخرجت آدم من الجنة ... !
ركضت نحو المرأة أنتظر منها أن تنصفني ، فقالوا : الفتنة ... !
حاولت أن أستأثر بزوجي الذي اختارني ولم أختره ، فقالوا : أنانية ... !
لذت بالأهل خوفاً من قسوة الغريب ، فأصبحت عانساً ، مل الوالد من طول مكثي ،
وعيرتني أمي بابنة الجيران ، ثم رحلا فامتعض الشقيق ، وسألتني زوجته الرحيل
عدت للغريب الذي ليس منه بد ، فقال الآن ..؟ وقد مضى العمر ، وحل الخريف .
امرأة أنا ... بحثت بلهفة عن نفسي، فلم أجد الجديد ، فأنا الفتنة الفاتنة ،
وأنا الساحرة وأنا السحر، وأنا الناقصة وأنا النقص، وأنا المتعة حينما يريد الرجل، والجمال حينما تهفوا نفسه للجمال،
تمر الأيام، والأعوام، والأحلام، والآلام، والأزمان، كما تمر على الرجل ،
وتطل الدعوات الجديدة برأسها من كوة الأحداث ، ويزعم الرجل الشريك اللدود أن يحررني ، وحرت في هذا التحرير ، فلم أجد سوى القهر والاضطهاد ،
ولكن القوة العظمى قررت ، وانتهى الأمر . أغمضت عيني على مضض .
فتحتهما .. فإذا بي أملأ أغلفة الصحف والمجلات ، وأحتل صدر المشاهد
وأملأ المنتديات ، صخبي يملاء الشاشات ، وجسدي وقود الإعلانات ،
في المسلسلات لا دور لي سوى جذب المشاهد الرجل ، وفي الإعلانات جسدي يستخدم لترويج بضاعة التاجر ( الرجل ) وفي الشاشات فتنتي تستخدم لترضي غرور المتابع ( الرجل ) وفي الأسواق أستخدم جميع الوسائل لجذب المتسوق الرجل ، وفي الحفلات أفعل كل شيء لإرضاء المدعو ( الرجل ) وفي البارات والحانات ، والملاهي والمراقص ، والمسارح والمنتديات يموت شرفي ، وتمزق كرامتي ، وتنتهك إنسانيتي ، وتنسل سعادتي ، وتتلاشى أنواري ، وتنضب أنهاري
من بعيد .. تلوح جنازتي ، وقد تقطعت أوصالها ، وفاحت رائحتها ، ولم يشيعها أحد ، والقوة العظمى تضحك ساخرة من منظر غروبي ، وتنفض يدها من غبار وجودي .في بلاد الحرمين .. أعلاني الدين وأغلاني ، ولم أكن من هذا الهراء والبلاء ـ بفضل الله ـ أعاني ، وعرفت الحجاب من صغري ، أحببته كفارس يهوى حصانه النجيب ، ولقد سمعتهم .. كانوا يتحدثون سراً ، خفت منهم ، لذت به ، صمت .. والخوف يطل ويغيب، كانوا يفتشون في الكتب والمجلدات بحثاً عن دليل يرفعونه شعاراً، ليحرروني من الحجاب...!
آه صوتهم يعلو، وأصبح السر جهراً، والهمس صدعاً، والفكرة أمراً...!!
منقول من مجلة المعرفة / الكاتبة : فاطمة السحيمي . القنفذة