كلما سمعتُ أو قرأت عن ساحر وسحره يعودُ لي ذلك الموقف
الذي لن أنساه أبداً.. فمنذُ أكثر من خمسة عشر عاماً وفي يوم
من الأيام وأنا أتسَوق أستوقفني في السوق رجلٌ قصير القامة،
أبيض البشرة، ضخمُ الجثة،ممتلىء الخدين والكفين والقدمين،
وقد كانت معي إبنتي وعمرها حينذاك خمس سنوات تقريباً..
فدار بيني وبينه هذا الحديث القصير والرهيب في الوقت نفسه:
(بعد التحية).... الرجل يقول لي: أراك دائماً تأتي إلى السوق
ومعك هاذي البنت؟! هل هي بِنْتك.؟
قلتُ له: نعم بِنتي.
قال: وليشْ تخرج معاك.؟
قلتُ له: وهل خروجها معي حرام.؟ أم عيب.؟
قال: لا حرام ولا عيب.. لكن ليش نجعل أبناءنا يرتبطون بنا
ويتولعون بنا.؟ فقد يحدث لك شيء أو قد تسافر وتبقى هاذي
البنت تعبانة عليك ، وقد يصيبها المرض، أوتحدث لها مصيبة
وأنت السبب في تولُعها بك.!! (من هنا أحسستُ وكأنني أبلعُ
أمواساً وحجارة، وأدركتُ أن الرجل يهدف لشيء معين فلا بد
من إثارته). قلتُ له: وهل عندك حل يا حلال العقد.؟
قال: الحل بسيط.. نعمل لها عمل..وبعدُه تخرج من عندها ولا
تسأل عنّك!! وتِكْرَه الخروج معك!!
قلتُ له: عَمَلْ؟؟ عَمَلْ ماذا.؟ (تظاهرتُ بعدم فهم قصده الخبيث)
قال: عَمَلْ؟ يعني سِحْرْ.. وسحر بسيط يصْرِفْها عنك بِسْ.!!
قلتُ له : بَسْ؟!! قالَ : بسْ.!!
حينها.. وحينها بَسْ (فقط) عملتُ لنفسي عملاً وانصرفتُ أنا
وابنتي من شره.
دارت الأيام.. ومرت الأيام وبعد أعوام سمعتُ أن ذلك الرجل
وفي يومٍ وساعةٍ ولحظةٍ محددة قام إبنه الوحيد بضربه ضرباً
موجعاً نُقِلَ على إثره إلى المستشفى... (يا إلهي)..!!!
لقد حاولتُ أن أحلل هذه الحادثة.. فرأيتُ أن الإبن لم يسلم من
سحر والده.. وبقي مسحوراً متبلداً لا يعرف الحب والحنان حتى
جاءت تلك اللحظة التي انتهت فيها صلاحية السحر ففاقَ الإبن
من غيبوبته وسحره وجازى والده الساحر بشر الجزاء وانقلب
السحر على الساحر.
هذا ما حدث بالفعل لذلك الرجل من إبنه... ولكن كيف سيكون
مصير ابنتي.؟ وماذا كان سيحدث لي مِنْها.؟ ومتى سيحدث لو
أنني آمنتُ بسحر ذلك الفرعون واشتركتُ معه ووافقتُه على
تحقيق هدفه الشرير.؟ وأعوذ بربي أن أكون من الجاهلين.
كانت ابنتي ستعيشُ بلهاء، حمقاء، لا إحساس، ولا عاطفة،
ولا حنان ولا أبوة حتى تأتي لحظة إنتهاء مدة صلاحية السحر.
أتدرونَ متى كانت ستأتي تلك اللحظة.؟!! كانت ستأتي أوقد
أتتْ قبلَ أربع سنوات تقريباً وهي اللحظة التي قمتُ بزفها ليلة
عرسها لعريسها.. حينها ستفوق ابنتي من سحرها، وستحدثُ
الكارثة، ولن أرى وقتها إلاّ رؤوساً فوقها الكعوب تتطاير..
والكراسي تتناثر..وتسريحات تتساقط.. وعدسات تتلاقط..
ومكاييج تسيل.. وأصوات وعويل.. وكُفُوف ودفوف.. ولا مانع
من تدخل العريس وأهله.. والمدعويين والمدعوات...
والمتفرجين والمتفرجات.! لا يقف بجانبي في هذه الزيطة حينها
إلاّ صاحبتي ورفيقة دربي وقد نالت مانالت وفي دهشة تسألُني
عمّا يجري فأُجِيبُها إجابة الفنان (عادل إمام) في فيلمه ...
المتسول.. في الصباحية أبأأ أأولِكْ.!!!
حمداً لله فذلك لم يحدث.. حفظ الله ابنتي وزوجها... وحفظ لي
ولهم حفيدتي الغالية (وتين) القلوب.