باختصار شديد :
قضية الشعر العامي والفصيح تكمن في التوجه الفكري وليس لها علاقة بالجمال الفني إطلاقاً ,
فلا أحد ينكر روعة وحضور شعر العامي في الوسط الاجتماعي والثاقفي على مستوى وسائل الاعلام المرئية والمسموعة والمقروءة .
فلا يعني ان يكون الشعر غير مبني وفق قواعد اللغة العربيه يكون سيئ من حيث الجمال الفني. بل أن الشعر العامي أصدق وأقوى وأحدث أوجود في وقتنا من الشعر الفصيح .
وإليك مقولة لأبن خلدون تحدث في مقدمتة عن مثل هذا يقول :
(لهؤلاء العرب في هذا الشعر بلاغة فائقة وفيهم الفحول , والكثير من المنتحلين للعلوم في هذا العصر خصوصاً علوم اللسان , يستنكر هذه الفنون التي لهم , إذا سمعها ,ويمج نظمهم إذا أنشدوا ويعتقدون أن ذوقه إنما نبا عنها لاستهجانها وفقدان الإعراب منها وهذا إنما أتى من فقدان بلاغتها إن كان سليماً في فطرته إلا فالإعراب لا مدخل له في البلاغة إنما البلاغة مطابقة الكلام للمقصود ولمقتضى الحال من الوجود فيه سواء كان الرفع دالاً على الفاعل أو النصب دالاً على المفعول أو العكس وإنما يدل ذلك على قرائن الكلام كما هو في لغتهم هذه فالدلالة بحسب ما يصطلح عليه أهل الملكة فإذا عرف اصطلاح في ملكة واشتهر صحة الدلالة وإذا طابقة تلك الدلالة المقصود ومقتضى الحال صحت البلاغة ولا عبرة بقوانين النحاة في ذلك. ) أنتهى
الشعر الجيد في العامي كثير كالسمك في البحر ولا يقتصر على الاسماء التي ذكرتها إنما هذه الاسماء هي التي قدمتها لنا وسائل الاعلام هذه الاسماء استطاعت ان تصل إلى الناس عبر الوسائل الحديثة بمبالغ طائلة , ولا يعتبرها النقاد بانها عيون الشعر النبطي , لأنهم يمثلون الطابع الرومنسي الذي يهتم بالذات والتحرر الوجداني اي هو للمتعه فقط , بعيد عن القيم والمبادئ والحالة الاجتماعيه والدينيه والاثار والوقائع التريخيه والاماكن الجغرافيه .
ولو عدت لكتاب سلسلة "أزهار النادية من أشعار البادية" لتجد شيء ما يجعلك تشعر بأن هذا الشعر جزل وقوي يشبه الشعر العربي الاصيل ذا الطراز الأول : ولعلي اصوغ لك مثال :
قال حاتم الطائي :
وما تشتكيني جارتي غير انني
إذا غاب عنها بعلها لا أزورها
سيبلغها خيري ويرجع بعلها إليها
ولم تقصر عليّ ستورها
وقال أحد شعراء العامي :
ماني على الجاره كثير التسرياع
وإن غاب واليها عليها ألف أمان
إلا بجنب حاسبه سبعة أضلاع
تاكل وتعط اللي لها من عوان .
بيتان في بيتين لم يختلف منهما معنى واحد غير أن الاول قيل بالعربيه الفصحى والثاني بالعامي
وكما قلنا أن القضية تكمن في التوجه الفكري وانقسم المجتمع إزاء هذا الشعر فريقين أنصار العاميه : قاموا بفتح مجالات الثقافه والأدب للأفكار العامية المحلية وعقد لهذا الغرض العديد من الندوات والمؤتمرات عبر قاعدة عريضة تشمل معظم دول الخليج وبعض الدول العربية , سعيا لنشره وتوسيع دائرة أدبه , لأنهم يرون ان العامية لها دور بارز في ماضي الجزيرة وأحاسيسهم وسجلوا فيه المعارك العشائرية التي كانوا يشنونها على بعضهم في تلك الحقبة التي مضت .
وانصار الفصيح والفصحى والمثقفون يرون ان الهدف من انتشار العامية في الجزيرة والخليج هو هدف فصل الحاضر الضعيف عن الماضي الذي يجب ان تنساه وسد المنافذ التي يتسرب منها الفكر الاسلامي والتاريخ الاصيل للأمة ... ولهم اسباب كثيرة ولكني اختصرتها في هذا السبب
والحقيقة أنا ارى أن ما زعمه أنصار العاميه فيه شيء من الصحه , وما قال بهم انصار الفصحى صحيح لا غبار عليه
فقيام المستشرق الغربي بطبع بعض دواوين شعراء النبط والدرسة لشعرهم دراسه منهجيه ليس من أجل سواد العيون .