السلام عليكم
قرأت هنا قصيدة جميلة تميزت بخفة ظل التعبير وتوهج العاطفة وحسن صياغة الأفكار . وكل ذلك حولها إلى عمل فني مبهر لذيذ عند قراءته ، حتى لكأن القارئ يتمنى أن لا ينتهي الشاعر من تلك الحوارية الذكية التي دارت بين المحبوبة المغرورة بحسنها وعاشقها .
يهواكِ قلبٌ ما أحبَّ سواكِ
كلاَّ ولا عرفَ الهوى لو لا كِ
مباشرة في الخبر وضعتنا في فاتحة الحوار حيث يبادر العاشق بالتصريح والبوح بأسلوب سائغ وألفاظ بسيطة .
أسرتْهُ عيناكِ التي قالت لهُ
أوَ يستطيعُ العاشقونَ عراكي
نلاحظ خفة الظل في الشطر الثاني أوَ يستطيعُ العاشقونَ عراكي ؟ ينظر العاشق إلى عيني محبوبته فيقرأ في حسنهما ما يجعلهما تتحديان العاشقين في مقاومتهما ، فالسؤال يأتي على محمل النفي والعاشقون لا يستطيعون خوض المعركة مع تينك العينين .
من أينَ أنتِ فأنتِ ساحرة الخطى ؟
قالت .. وإنَّ السِّحرَ من أملاكي
وإذا زادها العاشق مدحا وتعبيراًعن إعجابه بطريقة سيرها ( فأنت ساحرة الخطى ) أكدت له جدارتها بالغزل والمديح فهي ساحرة الخطى لأن السحر من أملاكها وهكذا يفهم السر في سحر خطاها .
أنا من يصبُّ العشقَ في أعماقكمْ
وأنا السماءُ وكلُّكم ْ أفلا كي ..
وترتفع وتيرة الغرور بالجمال عند هذه المرأة حتى تعرّف نفسها بأنها هي التي تصبّ العشق صبّا في أعماق عاشقيها (فأنا من يصب )تعريف المرأة لذاتها واعترافها ووعيها بما تمتلكه من تأثير .وهكذا فهي بجمالها المؤثرة الفاعلة وهم المتأثرون المنفعلون . ويتضح هذا المعنى في الشطر الثاني وأنا السماءُ وكلُّكم ْ أفلا كي فانظر كيف يجعل الشاعر المرأة سماء واسعة والعشاق يدورون حولها في مدارات وأفلاك مرسومة لا يمكن الإفلات منها .. ثم يجعل المرأة نفسها تنطق بهذا لتعبر عن الواقع الذي يراه الشاعر...نوع من التحكم بشخصية المحبوبة يمارسه الشاعر كروائي أو قاص يرسم ملامح شخصية بطل الرواية ويسخرها للنطق بأفكاره .
وجهي يذوبُ الحسنُ من قسمَاتِهِ
ويُضِئُ مثل الشمسِ من شُبَّا كي
ولعلنا كنا سننفر من امرأة تقول هذا عن نفسها حتى وإن كان حقيقة ولكن صورة الشباك المضيئ بشمس تشع من داخله ، صورة ترى من خارج الشباك وليس من داخله وهكذا يعيدنا هذا التنبيه إلى الشاعر الذي يفرض القول على المحبوبة .
والزهرُ يرقصُ فوق ضفَّةِ وجنتي
خجلاً ويشربُ من عبيري الزَّا كي
والزهر يرقص فوق ضفة وجنتها ، فالضفة تجاور الماء فأيهما الماء إذن ؟ أثغرها ؟ أم عينها..؟ إذا أفدنا من خجل الزهر فيبدو أن العبير الزاكي الذي يشرب منه الزهر وهو خجل هو ثغرها ..وذلك لأن الخجل يستوجب سببا والسبب هو مشابهة الزهر لثغرها في اللون ثم استشعاره زيادة جمال ثغرها حتى تصبح المقارنة مخجلة للزهر ...!
وإذا ضحكتُ فيا لها من لحظةٍ
يجثو الخيال ُ أمامها ويُحاكي
والضحكة تفتح بصوتها اللطيف أفاق الخيال بحثا عما يمكن أن يحاكيها من الأصوات جمالا ..فهكذا يجثو الخيال ..يجثو كأنه في حالة طلب العلم والمعرفة ليتمكن من محاكاة صوت الضحكة ..!
تُبْ عن هواي َ إذا أردتّ سعادةً
فالدَّربُ لا يخلو من الأشوا كِ
وإذا كان كل ذلك الوصف للمحبوبة ماثلا أمام ناظري العاشق ، فما عليه إلا أن يتوب عن هواها كي يحظى بسعادة العيش ، فالدرب إليها سيتعبه ولا بد من توقع الأشواك فيه.
فأجبتها كفِّي فإنَّ مشاعري
ذبحتْ لأجلِ غرامكمْ إدراكي
فأجبتها كفي ، ويختصر العاشق الأمر إذ أن مشاعره قد وصلت إلى درجة من العشق ذبحت فيها الإدراك أو العقل الذي قد يمتنع عن الاستجابة لهذه العاطفة ..
وإلى الهوى قد سابقتْ أحلامَها
و ترنَّمتْ كبلابل ٍ بِأَ را كِ ...
وقد سابقت المشاعر الأحلام إلى هواها وهي تشدو وتترنم كالبلابل على شجر الأراك دليل الرضا والقناعة بالحال
هذي مشاعرُ من أحبَّكِ صادقاً
جاءتْ .. فضمِّيني إلى قتلا كِ
هذا هو حال مشاعر العاشق الصادق في عاطفته قد عبر عنه . فإن كنت تحذرينه من هواك خوفا ً عليه ، فهو قد قرر المتابعة وإن كان القتل مصيره ..فضميني إلى قتلاك .
أسلوب الشاعر كان سهلا بسيطا . و أسلوب الحوار أنقذ القصيدة من خطر الخطابية والمباشرة الذي يحدق غالبا بالقصيدة ذات التعابير المباشرة .
الألفاظ معتادة سهلة غير أن طريقة توظيفها واستخدامها والربط بينها جعلها ذات حساسية وتفرد في مواقعها المعنوية . ومثال ذلك استخدامه لفظة ( ضفة ) في وصف الوجنة كما شرحناه .
العاطفة المتوهجة التي اعتمدت عنصر المبالغة أضفت على بيان الشاعر قوة وعمقا يحتاجهما موضوع القصيدة .
الصور الشعرية لم تكن جديدة وكان بعضها مكررا مثل (السماء والأفلاك) ، ( الزهر الخجل )، ( الدرب والأشواك ) . لكن بعضها الآخر كان متفردا وجديدا فيه إبداع خاص بالشاعر مثل ( جثو الخيال أمامها ليحاكي الضحكة )..
دام الشعر الجميل
وتحية للأستاذ الشاعر يحيى مشعل على هذا الجمال
ننتظر الجديد
الأستاذة والناقدة والأديبة ثناء حاج صالح
أخي فارس الكلمة يحيى مشعل
قرأت نصك الملبد بغيم الغزل ونظارة المعاني
فتهت في الرد عليك فأتيت بهذا الرد علَّه يشفع
دم كما أنت تتدفق دائماً بلا انقطاع