الآية الرابعة قوله تعالى : { والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون } .
فيها أربع مسائل : المسألة الأولى : قوله { وأمرهم } يعني به الأنصار , كانوا قبل الإسلام وقبل قدوم النبي عليه السلام إذا كان يهمهم [ ص: 76 ] أمر اجتمعوا فتشاوروا بينهم وأخذوا به , فأثنى الله عليهم خيرا . المسألة الثانية : الشورى فعلى , من شار يشور شورا إذا عرض الأمر على الخيرة , حتى يعلم المراد منه . وفي حديث أبي بكر الصديق أنه ركب فرسا يشوره . المسألة الثالثة : الشورى ألفة للجماعة , ومسبار للعقول , وسبب إلى الصواب , وما تشاور قوم إلا هدوا . وقد قال حكيم :
إذا بلغ الرأي المشورة فاستعن برأي لبيب أو مشورة حازم
ولا تجعل الشورى عليك غضاضة فإن الخوافي نافع للقوادم
المسألة الرابعة : مدح الله المشاور في الأمور , ومدح القوم الذين يمتثلون ذلك , وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يشاور أصحابه في الأمور المتعلقة بمصالح الحروب , وذلك في الآثار كثير , ولم يشاورهم في الأحكام ; لأنها منزلة من عند الله على جميع الأقسام : من الفرض , والندب , والمكروه , والمباح , والحرام . فأما الصحابة بعد استئثار الله به علينا فكانوا يتشاورون في الأحكام , ويستنبطونه ا من الكتاب والسنة ; وإن أول ما تشاور فيه الصحابة الخلافة , فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينص عليها حتى كان فيها بين أبي بكر والأنصار ما سبق بيانه . وقال عمر : نرضى لدنيانا من رضيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا .
وتشاوروا في أمر الردة , فاستقر رأي أبي بكر على القتال . وتشاوروا في الجد وميراثه , وفي حد الخمر وعدده على الوجوه المذكورة في كتب الفقه . وتشاوروا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحروب , حتى شاور عمر الهرمزان حين وفد عليه مسلما في المغازي , فقال له . الهرمزان : إن مثلها ومثل من فيها من عدو المسلمين مثل طائر له رأس وله جناحان ورجلان , فإن كسر أحد الجناحين نهضت الرجلان بجناح والرأس , وإن كسر الجناح الآخر نهضت الرجلان والرأس , وإن شدخ الرأس ذهبت الرجلان والجناحان , والرأس كسرى والجناح الواحد قيصر , والآخر فارس . فمر المسلمين فلينفروا إلى كسرى وذكر الحديث إلى آخره [ ص: 77 ] وقال بعض العقلاء : ما أخطأت قط ; إذا حزبني أمر شاورت قومي , ففعلت الذي يرون , فإن أصبت فهم المصيبون , وإن أخطأت فهم المخطئون